سؤال العنف في كتاب الجامعات الاردنية

سؤال العنف في كتاب الجامعات الاردنية
د.رياض ياسين
لسنا بحاجة لتدوين احداث العنف وتاريخها وتوثيقها في كتاب لنتذكرها ونستفيد منها باعتبار انها متجددة وحاضرة بصورة شبه موسمية في جامعاتنا الأردنية بشقيها الحكومية والخاصة. ومازلنا مذهولين من هول مايجري من احداث في جامعاتنا لمشكلات واشتباكات بأنواع مختلفة من الأسلحة البيضاء والسوداء وألوان قوس القزح التي أعمت أعيننا عن مشاهدة ذاك الفضاء الممتد في ذاكرتنا البعيدة عن قيمة العلم ومؤسساتنا التعليمية العربية والاسلامية على مدى قرون كانت فيها منارات للقاصي والداني.
تحولت الجامعات على مايبدو من فضاءات للبحث والاختراع والاختلافات العلمية والاجتهادات والنقاشات والجدالات التي لم تكن تفسد للود قضية الى زقاق ضيق للفكر السوداوي الحاراتي والعشائري والشخصي ،فانتج مشهدا سوداويا قاتما حصد معه أرواحا بريئة وأتى على كثير من المنجز الحضاري، وضرب سمعة التعليم والمؤسسات التي يفترض أن تكون مكانا لإنتاج النخب.
إن تنامي ظاهرة العنف الطلابي داخل الحرم الجامعي يطرح أكثر من علامة استفهام، فمن المسؤول ؟ ولماذا العنف بدل التعايش و الحوار و ثقافة الاختلاف ؟ وهل الجامعات بالمحصلة هي انعكاس لمشهد اجتماعي سياسي مأزوم تعيشه الدولة والمجتمع في آن معا؟

إن دوافع المشاجرات الطلابية في بعض الجامعات لا تأتي من المجتمع فحسب،بل من الجامعة نفسها بحيث ان هناك اجواء داخل الجامعة تزيد من حدة التوتر لدى الطلبة، من اهمها حالة الاكتظاظ الشديد في الحرم الجامعي في بعض الجامعات ، وبعض المرافق فيها والضغط والتسابق على الموارد والخدمات. كذلك غياب الفهم الحقيقي لمساحات الإشغال غير الاكاديمي للطلبة خاصة في الكليات الإنسانية أي الفراغ ،وبالتالي اللجوء الى تكوين شلل على أسس قرابي، حاراتي، شخصي، عقيدي، وربما التقارب بين المتشابهين في الانتماء الطبقي، وبهذا المعنى تتوزع اركان الحرم الجامعي ومناطقه وفقا لهذه الخرائط الشللية الاجتماعية.

آن الاوان أن يتم تغيير أسس القبول في الجامعات،فمن المعلوم لدى الجميع ان معيار القبول في جامعاتنا هو معدل الطالب ولايوجد هناك معيار آخر،كذلك فإن كثيرا من الجامعات على مايبدو تراعي مسالة القرابة في تسجيل الطلاب وترغيبهم في حال كان للطلاب أخ أو قريب ما ليمنح خصما معينا فتزيد من الشللية وتعمق مفاهيم تقليدية يتم توظيفها عند اول مشكلة،وهنا كيف يمكن ان يستغني رأس المال في الجامعات عن هذا الترويج، لأنك بعد فترة ستجد نصف العائلة قد تخرجت من جامعة واحدة بحجة وجود تخفيضات وخصومات وربما لاتحتاج لكتب جديدة وكراريس في حال كان التخصص واحدا على اعتبار أن الجامعات ليست أصلا معنية بالتجديد والبحث العلمي الذي يواكب المتغيرات، فنفس تلك الاوراق الصفراء من عشرات السنوات مازالت تدرس،ونفس الكتب والدوسيات يتم احتكارها بين المؤلفين والبوك شوب.
احد ألأصدقاء التربويين المرموقين أشار الى اهمية ان تكون (الطوشات) متطلبا سابقا قبل التسجيل في الجامعات، ويمكن عمل مواد استدراكية قبل الدخول الى الحرم الجامعي بحيث يتاهل الطالب الى كيفية المواجهة في حال حدوث مثل هذه المشكلات،وإلا ما هي الشروط المرجعية التي يجب ان يتحلى بها الطالب قبل الدخول للجامعة وهو لايحمل سوى المفاهيم التقليدية والعصبيات الضيقة التي ورثها من المدرسة التي هي الاخرى لا تقل أهمية في تكريس العصبوية وتؤسس لثقافة الانقضاض على الآخر في اول مواجهة.

لقد فشلت برامج التربية المدنية التي تم حصرها في مادة التربية الوطنية التي يتم تدريسها على طريقة (حزّر فزّر) وتم تعليبها في دوسيات للحفظ وامتحاناتها اختيارات من متعدد على الحاسوب، فكيف ستكون هذه المادة مهمة ومؤثرة وهي على هذه الشاكلة من السطحية والجمود والجاهزية،فالأصل أن تكون هذه المواد رافعة لوعي الطلبة ناهضة بافكار مدنية وتوجهات ديقراطية حقيقية، وكثير من الطلبة قد شكى لي أن من يقومون يتدريس هذه المادة يمعنون اصلا في تكريس الجهوية والعشائرية والحاراتية في تدريسهم ونظرتهم لطلبتهم.فهذه المادة وبشهادة الكثيرين فشلت في زراعة قيم ديمقراطية تبعد الطلبة عن ولاءاتهم الضيقة على مستوى العشيرة أو القرية أو الحارة أو المنطقة الجغرافية،ولم تنجح في اعادة صياغة شخصية جديدة للطالب تخرجه من حدوده الجغرافية وتقسيماته الإدارية أو الإنتماءات الأخرى المختلفة الى الانتماء حيث فضاء الوطن الشاسع.

لقد ثبت ان تعزيز مفاهيم الامن بزيادة العناصر الامنية وكاميرات المراقبة لن تخفف المشكلة بل على العكس فهي مظاهر تجعل من الاستفزاز نقظة ثابتة،خاصة وان هناك عدم وضوح في مسؤوليات رجال الامن الجامعي الذين يفتقرون أصلا لقوة الضابطة العدلية.

وربما من المهم مرة اخرى، وكما فعلت الجامعة الاردنية في الاحداث الاخيرة المؤسفة ان لا يتم التهاون في تفعيل قرارات الجامعة وتعليماتها وعدم التهاون في تطبيقها بحق المخالفين،وإعادة تعريف سلطة رجال الأمن الجامعي ورفع مهنيتهم وادوارهم.

لا يعود فقط سبب انتشار العنف في الفضاء الجامعي الى عوامل ذاتية تخص الطلبة ، وتتعلق بالطبيعة الستاتيكية التي يتم بها تبنى طروحاتهم الفكرية والأيدولوجية ، بل ايضا عزل الجامعة عن فضائها العام ومحاولة إفراغها من رسائلها العلمية ودورها التنويري ، ناهيك عن طبيعة تعاطي وزارة التعليم العالي التي تمثل الدولة مع ممارسة العنف داخل الجامعات.وهنا التنويه الى خطورة تكريس الصراعات والاصطدامات الأفقية بين الفصائل الطلابية،وامتدادها العمودي الى المجتمع المحلي، بحيث تظهر الدولة احيانا وكأنها تقوم بدور المتفرج والمراقب لما يجري فقط بحجة ان الجامعات لها مجالس ادارة ومجالس امناء واستقلالية، او ان الدولة لا ترى اهمية للعنف الجامعي كونه ليس ناتجا عن خلافات سياسية وتجاذبات حزبية بما يعني انه لا يشكل اي تهديد سياسي قد يمتد للشارع.
و بغض النظر عن مصدر تأجيج العنف، فإنه لا يزيد جامعاتنا الأردنية إلا تأزما ، و ذلك عبر خلق نوع من الاضطراب داخلها، وتحويلها من فضاء للتحصيل العلمي وتلاقح الافكار الى مكان شبيه بثكنة عسكرية تدرس فيها الخطط القتالية وتحكمها الواجهات والمواجهات،وبالتالي يغيب فيها الدور العلمي و التربوي المنوط بها كمؤسسة مميزة.
rhyasen@hotmail.com

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى