قصة أردني حقيقي / يوسف غيشان

قصة أردني حقيقي
في أحد كتب اللبناني سلاّم الرّاسي قرأت قصة إنسان أردني رائع ، حيث قدّم الشيخ حديثة الخريشا ، وهو من رجالات ومشايخ الأردن بدايات القرن الماضي ، طلبا للانضمام إلى جمعية الاتّحاد والترقّي ، التي كانت في بداياتها تطالب السلطان العثماني بالإصلاح الدستوري ورفع الظلم عن الولايات العثمانية وكانت آنذاك جمعية سريّة تناويء السلطان عبدالحميد وتضم نخبة من أحرار ومفكري البلاد العربية وسائر أنحاء السلطنة العثمانية .
قبلت الجمعية طلب الشيخ حديثة ، ودعته إلى أداء اليمين المفروضة على طالبي الانضمام اليها ، حيث طلب رئيس الجلسة أن تعصب عينا الشيخ حديثة ، وأن يضع يده على القرآن الكريم ، ويردّد عبارات القسم التي يتولّى أحد الأعضاء تلاوتها ، رفض الشيخ حديثة أن تُعصب عيناه وقال :
– أنا طلبت الانضمام إلى جمعية الاتحاد والترقي ، فهل يكون الاتحاد والترقي على (العمياني) أم على نور الهداية ؟
تشاور الأعضاء ، وقبلوا، بصورة استثنائية ، أن يقسم الشيخ وهو مفتوح العينين ، ثم رفض الشيخ أن يضع يده على القرآن ، ويردّد القسم الخاص بالجمعية ، الذي ينصّ على الوفاء لها والاستعداد التام للتقيد بقراراتها ، وتنفيذ أوامر قادتها ، وطلب منهم أن يسمحوا له بأداء القسم على طريقته الخاصة ، فتداول الأعضاء فيما بينهم ،وقالوا أنه مجرّد بدوي أعرابي لا يفهم المنطق ولا يؤمن بالأنظمة والقوانين ، فلندعه يقسم كما يشاء.
وقف الشيخ وتلا قسمه قائلا :
– يا قوم ، إن صدقتم صدقنا ، وإن بقتم بقنا (يقصد إن خنتم صار لنا الحق بخيانتكم).
وما هي إلاّ سنوات حتى انحرفت الجمعية عن مبادئها الأولى، وصارت تدعو إلى تتريك البلاد العربية، فصدق إحساس الشيخ الذي رفض أن يقسم بالإخلاص إلاّ بطريقته التي ربطت مدى التزامهم مع العرب بمدى التزامه معهم ، وبالتالي صار الشيخ في حلّ منهم ولم يحنث بيمينه ، ووقف ضدّهم إلى جانب الثورات الشعبية التي انطلقت آنذاك .
أعتقد أنّ الرعيل الأردنيّ الأول كان أذكى منّا وأوسع أفقا وأكثر إخلاصاً وصدقا منا ، خصوصا بعد أن ابتلعتنا ثقافة الهامبرغر والبترودولار ، والخصخصة الحمقاء.
من كتابي(لماذا تركت الحمار وحيدا)الصادر عام2008

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى