إشكالية الأحادية العربية، الأردن نموذجا

إشكالية الأحادية العربية، الأردن نموذجا
د. ماجد العبلي

الفرضية التي تقوم عليها هذه المقالة (أن الدول العربية- عموما- تفتقر لوجود نظم سياسية)؛ لأن النظام السياسي – كأيِّ نظام آخر في الكون – لا بد وأن يتكون من مجموعة من الوحدات التي تتبادل التأثر والتأثير في بيئة محددة، وتتضافر جهودها لتحقيق هدف أو مجموعة أهداف عليا.
أما في الدولة العربية فتوجد وحدة واحدة (فريدة منفردة متفّردة) هي (النظام الحاكم) الذي يحتكر الحقيقة كاملة، والسلطة كاملة، ونصيب الأسد من الثروة، لدرجة يشعر بها أنه الوطن أو ربما أكبر من الوطن.
هذه النظرة الأحادية للنظام الحاكم أفرزت استراتيجية واحدة تتمثل ببقاء النظام وضمان أمنه واستقراره، من خلال توظيف كل مؤسسات الدولة وتعبئة المجتمع لتحقيق هدف واحد أوحد هو: بقاء النظام وضمان أمنه واستقراره واستمراره..
وتحت أقدام هذه الاستراتيجية تحطمت وتتحطم كل نقاط قوة الوطن، وتعاظمت وتتعاظم نقاط ضعفه، وضاعت وتضيع كل فرصه في النهوض، واستنزفته وتستنزفه التحديات.
وهذا ما جرى ويجري في الأردن كحالة تطبيقية للفرضية التي تقوم عليها هذه المقالة؛ فحين شعر نظام الحكم بالتهديد في خمسينيات القرن الماضي -حيث جرت انتخابات ديمقراطية نزيهة مكَّنت المعارضة من تشكيل الحكومة – فقد بادر بحلِّ هذه الحكومة، ومنْعِ العمل الحزبي والسياسي باعتباره مصدر تهديد للنظام، ووظّفَ كل طاقات الدولة وبعض الشرائح الاجتماعية لتجريم المعارضة السياسية لدرجة أصبحت تهمة المعارضة مضاهية لخيانة الوطن؛ وبذلك تم وأد الديمقراطية التي تعد أهم نقاط قوة الوطن.
ومن خلال توجيه موارد الدولة لحفظ أمن النظام، عانت برامج التنمية من الإهمال، فتحولت -عمليا – من خطط استراتيجية شاملة، إلى هَبَّاتٍ موسمية جزئية ترقيعية؛ فلم تستطع تحقيق منجزات ملموسة في مجالات الفقر والبطالة والخدمات العامة. كما أضاع ذلك فرص مأسسة الدولة، وبناء اقتصاد دولة قوي إبان الثورة النفطية؛ فوجدت الدولة نفسها ضعيفة وتزداد ضعفا أمام التحديات الإقليمية منذ عقد الثمانينيات.
ومع التحولات الدولية الكبرى وانهيار المعسكر الشرقي والثورات الشعبية في دول أوروبا الشرقية، ومع هبة نيسان في الأدرن، فقد شعر النظام بالتهديد؛ فاستجاب شكليا للمطالب الشعبية عام (1989)، وأعلن عن (الانفتاح السياسي والديمقراطي)، لكنه لم يكن أكثر من تكيّفٍ شكليّ: بدليل التحكم بمجلس النواب وإضعافه؛ للحيلولة دون تمكنه من ممارسة سلطاته الدستورية، فتم تحويله إلى أداة لإضفاء الشرعية على القرارات والسياسات الحكومية التي تسير باتجاه واحد ألا وهو خدمة أمن النظام.
فما هي محصلة هذه الاستراتيجية؟
المحصلة أن الطبقة التي تتولى إدارة مصالح النظام الحاكم سوّقت نفسها حارسة وحامية لبقاء وأمن واستقرار واستمرار النظام، فاحتكرت الكثير من مفاصل التحكّم بالدولة وإدارتها، فاستأثرت بنصيب كبير من الثروة على حساب الشعب. ولغاية إدامة انتفاعها من هذه الحراسة الزائفة، ولإقصاء الخصوم والمنافسين؛ فقد عملت على تكريس وتبرير القبضة الأمنية (منهجية أحادية) حفاظا على ثبات هذه المعادلة بدل أن تكون أداة من جملة أدوات أخرى، وهذا أدى لزيادة الاحتقان الشعبي جرّاء المعاناة الطويلة من الفقر والبطالة والتهميش الاجتماعي للأكثرية خارج عمان الغربية، لا سيما في الأطراف..
إن الجهود والموارد التي تم ويتم توظيفها للحفاظ على أمن النظام، يمكنها حل مشاكل الفقر والبطالة والتهميش الاجتماعي حلا شاملا؛ ما يحقق أمن النظام بكفاءة وفعالية أكثر من منهجية القبضة الأمنية..
وإن معظم الجهود والموارد التي تم ويتم توظيفها لحفظ أمن النظام، إنما كانت خطأ وطنيا لا بد من معالجته على وجه السرعة؛ لأن بقاء العائلة الهاشمية هدفنا جميعا، ما يعني أنها لا تتعرض لأي تهديد داخلي، لذا يمكن تحويل هذه الجهود والموارد لتطوير الدولة وتنمية المجتمع؛ لأن توظيف كل الجهود والموارد لحفظ أمن النظام – الآمن أصلا- لفترة طويلة، جعل مؤسسة العرش قوية جدا، في حين أضعف الدولة وهمّش المجتمع.
وإذا انطلقنا من كون قوة مؤسسة العرش نقطة قوة للوطن، وإذا اعتبرنا أن هذه النتيجية كانت هدفا وطنيا تم توظيف معظم الجهود الوطنية المخلصة لتحقيقه، فإننا -والحمد لله – حققنا هذا الهدف على أكمل وجه، وأنجزنا المهمة؛ وبالتالي يجب علينا أن نعمل بروح الإخلاص نفسها، ونوظف كل الطاقات والموارد الوطنية بالهمّة نفسها، لتحقيق الهدف الوطني الثاني وهو بناء (المواطنة)، التي تتضمن إعلاء شأن المواطن الأردني، واحترام كرامته وحقوقه (الإنسانية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية)، وذلك وفق خطة استراتيجية وطنية مبرمجة زمنيا، وذلك بضمانة ملكية صريحة وعملية.
وبعد إنجاز هدف المواطنة الذي سيفرز مجتمعا مدنيا قويا، تصبح مهمة الوطن لتحقيق الهدف الثالث سهلة وميسرة ألا وهو (بناء دولة قوية) عبر تكريس المأسسة وسيادة القانون والفصل بين السلطات واستقلال القضاء استقلالا تاما ليكون ضامنا لقوة الدولة…
والحديث يطول…

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى