ليس للبيع أوالمبادلة

ليس للبيع أوالمبادلة
د. هاشم غرايبه

السؤال الذي يتداوله الناس في الأردن هذه الأيام: لماذا لا تجد أحداً يبني آمالا على الإنتخابات النيابية القادمة في الأردن، ولا يعوّل على تغيير في الإنطباع السائد عن مجلس النواب بأنه لا دور له إلا كواجهة (ديكور) ديمقراطي خادع؟.
لقد ثبت بالوجه القطعي أن الخطة الخبيثة التي فرضتها السفارة الأمريكية منذ عام 1993 بقانون انتخابي مسخ قائم على نظام الصوت الواحد، ثبت أن ذلك أدى لانتخاب مجلس منزوع الدسم، فلا يملك أعضاؤه أية قيمة تشريعية أو رقابية، لأن من يتاح له التنافس انتخابيا هم صنفان فقط: الزعامات العشائرية والمتنفذين اقتصاديا، وهؤلاء دوافعهم تلبية طموحات شخصية لديهم، سواء كانت في الوجاهة أو في القفز الى المواقع العليا أو في توسيع مكاسبهم المالية.
لا يختلف اثنان على أن السلطة دائما تسعى الى الإستحواذ الكامل على مقاليد الأمور، رغم أن ذلك يعني الإستبداد، لأن السلطة المطلقة مفسدة مطلقة، لذلك لا أحد ينتظر من أية سلطة أن تختار بإرادتها تقييد صلاحياتها بدساتير، ولا برقابة تشريعية، فما يشغل بالها هو التفلت من قيود الدستور وإضعاف الرقابة عليها.
من المتفق عليه في أعراف الدولة المعاصرة، أن الدستور هو العقد الضامن لمنع تغول النظام الحاكم على المحكومين، ومن يراقب الإلتزام بذلك هم ممثلو الشعب.
الدستور الأردني الذي وضع عام 1952 حينما كانت البلاد تحت إدارة بريطانية بموجب المعاهدة التي أعطت للأردن صفة الإستقلال، لذلك نص الدستور على أن نظام الحكم نيابي ملكي، وحدد صلاحيات كل من السلطات الثلاث، لكنه منذ ذلك الوقت والى اليوم أجري عليه ثلاثة عشر تعديلا.
لم يكن أي تعديل على الدستور بناء على مطالب برلمانية أو شعبية، بل جميعها كانت تقدم من الحكومة، ومن البديهي أن كل تدخل من السلطة في تعديل الدستور أو اختيار النواب، هو دائما في صالح السلطة الحاكمة، وباتجاه واحد هو المزيد من الإستبداد وتقييد الحريات وتقليص الحقوق الأساسية للمواطنين.
الغرب الذي اتخذ دينا جديدا أسماه الديمقراطية، ودعا أتباعه من الأنظمة الإسلامية الى اتّباعه، وترك ما كان يتبعه آباؤهم وأجدادهم، حقيقة هو لم يفرضه عليهم وإنما دعاهم فاستجابوا طمعا بمرضاته، لأنه وبعد الحرب العالمية الثانية واستفراده بالقوة العظمى، أعطى لنفسه الحق في التدخل في شؤون الدول المستضعفة، فسمى نفسه حامي الديمقراطية، وبذريعة أنه حامي حقوق الإنسان، أجاز لنفسه فرض ما يحمي مصالحه من تشريعات في قوانين الدول الأخرى.
لذلك يفرض عليها القيام ببعض الطقوس التي تثبت ولاءهم له وتركهم ما كانوا يعتنقون، وإلا فهم محرومون من أنعمه عليهم، وأهمها صك الغفران الذي يتيح البقاء الحكم، وإطلاق يدهم في ما أقطعوهم إياه بلا خوف من المساءلة.
لذلك تُجري هذه الأنظمة الإنتخابات بين الحين والآخر، وتسميها عرسا ديمقراطيا، وهي كذلك بحق، فهي مجرد راقصين في زفة، تسلي المتفرجين وتنسيهم همهم ليلتها ثم يعودون في اليوم التالي ولا شيء تغير عليهم.
المحذور الوحيد الذي يقلق الحكومات، هو كيف تضبط هذه الإنتخابات، بحيث لا تفرز نوابا من الشعب يكون هدفهم خدمته، لذلك فهي تريد أن ينجح من يبحث عن مصلحته، وهم المستثمرون الطامحون لاسترداد أضعاف ما دفعوه من كلف في الحملة الإنتخابية (الزفة)، ولذلك استحدثت مبدأ أعطيات النواب من منافع يقدمها لمؤيدية، لتغري الطامعين بانتخابه لنيلها، ويتبارون في ذلك، مثلهم في ذلك مثل (المولات) التي تعلن لزبائنها عن جائزة سيارة فاخرة، يدفع الآلاف من الطامعين بامتلاكها ثمنها بمئات الأضعاف، ولا ينالها الا واحد.
لقد كان هنالك حجة للحكومة لتأجيل الإنتخابات البرلمانية المستحقة دستوريا بسبب الكورونا، وقد عاش الأردن بمجلس نيابي زمنا ، وبأحكام عرفية أزمانا طويلة، وهو الآن تحت قانون الدفاع منذ ستة شهور، وأتحدى أن يجد امرؤ فارقا بين الحالات الثلاث!.
الغريب أن تحظر الحكومة انتخابات النقابات ونشاطاتها، ولكنها لا تؤجل انتخابات البرلمان، لكن المؤلم أنها تحظر التجمعات جميعها، لكنها تسمح بالإنتخابات العشائرية لانتخاب مرشح لكل عشيرة، ليكون البرلمان مجرد مجلس عشائر ومقاولين.
مما يشي أن هدفها ليس تحقيق الحياة الكريمة للمواطنين وإتاحة الحق بالتعبير عن الرأي، بل لتنميق الصورة الزائفة للديمقراطية، واستحقاقا مفروضا من الغرب لتجنب الحرمان من القروض والمساعدات.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى