ونيسٌ وأَولادهُ وأَحفاده / وائل احمد مكاحلة

ونيسٌ وأَولادهُ وأَحفاده

أذكر أنني قلت يوما ما بأن مسلسل “يوميات ونيس” يعتبر مرجعا هاما لتربية الأبناء، بغض النظر عن أخلاق الممثلين على أرض الواقع والتي بطبيعة الحال لم أعايشها، لكن ما قدموه كان نموذجا يحتذى به تعب كاتبه “الفنان محمد صبحي” كثيرا في تقديمه للناس على طبق من ذهب..

كنت أتابع هذا المسلسل في حداثتي وأقول في نفسي أنه سينفعني يوما ما حين أنجب صغارا وأحتاج إلى معرفة الأبواب التي علي الدخول منها إلى عالمهم الغامض المخيف، لم أنس يوما حلقة أو حكمة أخذتها من هذا العمل الرائع بأجزائه الزاخرة بالحكم والمواعظ..

أقول كنت.. وكان فعل ماض ناقص لا يعترف بحاضر ولا يبالي كثيرا بمستقبل لا يزال طي الغيب، لا يحتفي حتى بأجيال تختلف عمن سبقها باطراد، منذ أبناء سيدنا آدم عليه السلام إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها..

مقالات ذات صلة

لشدما تغير الزمان وتغيرت أجيال ترعرعت أمام أعيننا على دوي صخب الهتافات الرنانة الجوفاء، لكل من تلك الأجيال خواص ومعطيات تختلف كليا عمن سبقها أو لحق بها فيما بعد، في كل عقد نرقب جيلا ينمو كالنبات المتسلق ونمني أنفسنا بأنه جيل الغضب الذي سيثور على تركة الكبار الموغلة في الهزائم والخيبات، نقول بابتسامات حالمة بأن هذا هو الجيل الذي سيحمل لواء الأمة ويحرر أراضيه ويهزم أعداءه، لكننا نفيق وقد ذهبت الأحلام أدراج الرياح تذروها كما تذروا ذرات الغبار الملونة في مهرجانات الألوان والبيجامات والغناء الذي لم يعد غناءا..

يكبر هذا الجيل ويذهب وهجه فنعلق الآمال على الجيل التالي، ثانية نراقب نمو النبات الجميل حتى يصبح أشجارا يافعة ذات بأس، فنخرج هذه المرة بخيبات أشد وقعا مما سبقها، فالخواص والمعطيات التي نتكلم عنها غالبا من تصبح أكثر سخفا وابتذالا من السخف والابتذال القديم الذي تحول بفعل التقادم إلى تراث نتداوله ونحييه خوفا من اندثاره، أغاني سميرة توفيق كانت بالنسبة إلى جدي ابتذالا ووقاحة، لكنها تحولت بالنسبة لنا إلى تراث نحاول أن نثري به ثقافة لا أصل لها تبعد سنوات ضوئية عن هويتنا المسلوبة..

أنا من جيل السبعينات الوسطي.. هذا الجيل الذي لم يأخذ دوره في صفوف القتال، ولم يفهم معادلات السلم تماما، عاش على ذكرى أبطال سبقوا ميلاده بالموت بخطوات بسيطة، لم ينل شرف لقائهم وبناء فكرة محددة عما كانوا يفعلونه وفشلوا فيه، حتى معطيات هذا الزمن التي تغيرت مع تغير مسارات الحدود التي تخترق الوطن كأنها مسارات الخناجر على جلد غض لم يعرف كيفية التعامل معها، لم يعرف على أي بر يقف.. هل يصدها أو يصفق لها ؟!

أنا من ذلك الجيل الذي لم يلحق بركب “الهيبز” حين كانت تطلق شعارات “الوجودية” في أوطاننا فيصفق لها كل عربي ملّ فكرة الحرية والتحرير فسعى ليحرر ذاته من الدين والهوية، وهو ذات الجيل الذي لم يستطع ابتلاع فكرة “الفري” و فيديو كليبات “البورنو” الصريحة التي تنصح المشاهدين بأن يبوسوا الواوا ويصعدوا إلى الروف لوضع النقط على الحروف…!!

من نحن؟.. وأين نمضي؟.. ومتى يأتي الفرج؟!!

في انتظار جزء جديد من مسلسل “يوميات ونيس”.. لنعيد التأمل وحصد الخبرات التي لم تفدنا يوما.. ولن تفعل أبدا !!!

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى