ذكريات كتابة الكلمات ../ طارق النجادات

ذكريات كتابة الكلمات
ما اصعب مهنة الكتابة، وما اشقى من جعلها مفتاح رزقه، كم وددت ان نصنع تمثالاً للمعذبين في الارض الذين ينشرون في كل يوم مقالة ، يستنزفون حروفها وكلماتها من دمائهم فتصبح حيةً نابضة، يقضون ساعات يومهم بين الفكرة والحرف لتخرج لنا جمل وعبارات لا نملك امامها سوا التأمل والإعجاب.
لي ثلاثة اسابيع ونيف لم تلامس يداي مفاتيح (الكيبورد)، لم أعتد الكتابة بورقة وقلم لعل التقنية جرفتني بعيداً او أن رائحة الحبر تعيد لي ذكريات لا ارغب في تنشقها؛من مثل إكتشاف مدرس الإجتماعيات بأن أحد الطلبة لا يجيد الكتابة، فكان العقاب الجماعي بأن نقوم بنسخ الدرس المكون من ثلاث صفحات لعشر مرات، ورافق ذلك بالتهديد والوعيد وإنزال الويل والثبور على من يأتي في المرة القادمة ولم يقم بالواجب،حينها تورمت يداي من الكتابة، حينها مللت الحبر والورق والكلمات ومدرس الإجتماعيات، ورغم ذلك شعرت بقليل من النشوة بأني من القلة التي اتمت هذا الواجب المستحيل والذي لم يقم به الطالب الذي تسبب به، وفي اليوم الموعود دخل مدرس الإجتماعيات وبدأ في الحصة وكأن شئ لم يكن، وكأن واجب لم يعطى او وعيداً قد أخذ، يومها شعرت بعلقم رائحة الحبر وبألم تورم اليدين وبالعقاب الذي اصبح هواء،على العموم لم يكن ذلك العام الدراسي من اجمل أعوام حياتي على الرغم من مشاركتي لأول مرة في الإذاعة المدرسية والفرقة الموسيقية للمدرسة، فقد دخل علينا مدرس الرياضيات في يوم من الايام، ابيضاً سميناً شائباً في يمينه عصا مطاطية سوداء لامعة وبدأ بالتفتيش على الواجب، لحسن حظي أنني كنت ممن قاموا بحل الواجب، فقام بالنظر لدفتر الاول ومن ثم ضرب بقية الطلبة إلى أن وصل إلى مقعدي، اريته حل الواجب، فسالني اين بقية الاجوبة، فقلت له انك حددت لنا هذه الاسئلة فقط، فلم يقتنع وضربني كما ضرب من سبقني، بغل وكأنني استغبيه او اقلل من ذكائه، واكمل حفلة الضرب بمن لحقني، حتى كاد ينهي اخر مقعد في الغرفة الصفية، وعندها فقط التفت إلى الطالب الاول وسأله، انت ليه حليت كل الاسئلة؟ وأجابه بأنه كان غائبأ وعلم بالواجب فحل جميع الاسئلة، عندها عاد إليه وضاعف له العذاب.
تحية إلى كل يد كتبت وإلى كل عين قرأت، تحية لمن تورمت يداه كتابةً وضرباً، تحية لكل قارئ مميز يعيش عصره وعصر من سبقه، تحية لكل كاتب مميز يعيش عصره وعصر من سيلحق به، فأن لم نصنع لك تمثالاً الآن فاحفادنا بالتأكيد سيصنعون.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى