د. صويص .. غاز العدو على حساب جوع وبطالة الأردنيين وكرامتهم

سواليف

كتب … الدكتور سليمان صويص

هذا اليوم، السادس والعشرون من أيلول، #يوم #مشؤوم للأردنيين؛ ففي مثل هذا اليوم، قبل خمس سنوات، تم التوقيع على #اتفاقية لإستيراد #الغاز من #الكيان ا#لصهيوني، بين شركة #الكهرباء «الوطنية» وشركة نوبل انيرجي الأمريكية المشغّلة لأحد حقول الغاز قبالة السواحل الفلسطينية المحتلة. قيمة هذه الإتفاقية ـ كما هو معروف ـ 10 مليارات دولار ومدتها 15 سنة، وبدأت بالسريان منذ 2019، وذلك لإستيراد 40 بالمئة من حاجة الشركة من الغاز المسال لتوليد الكهرباء.

بدأت قطاعات واسعة من الأردنيين في مقاومة الإتفاقية المشؤومة قبل عام 2016 الذي شهد التوقيع؛ إذ بدأت المعلومات عنها تتسرب منذ عام 2014. منذ سبع سنوات والنضال جار بقيادة «الحملة الوطنية الأردنية لإسقاط اتفاقية الغاز مع العدو الإسرائيلي»، من أجل وئد هذه الإتفاقية ومنع تنفيذها. قامت الحملة التي تضم أوسع طيف من الأحزاب والنقابات والهيئات والشخصيات الوطنية بعشرات الإعتصامات والمظاهرات التي وصل عدد المشاركين فيها إلى نحو مئة الف مواطن في بعض الأحيان، ووجهت إنذارين عدليين إلى شركة الكهرباء، ونظمت محاكمة شعبية للإتفاقية بعدما نشرت نصها الذي تكتمت عليه الحكومة الأردنية طويلاً، ووجهت عشرات المذكرات؛ وأصدر مجلس النواب الأردني بالإجماع قراراً يُطالب الحكومة بإلغائها. الإرادة الشعبية والبرلمانية والنقابية، بمختلف اتجاهاتها، كانت ولا تزال تطالب بإسقاط هذه الإتفاقية المذّلة.. ومع ذلك اصرت المجموعة الحاكمة على وضع طين في أذنها اليمنى وعجين في اليسرى !

لماذا المطالبة بإسقاط «إتفاقية العار» هذه ـ كما اطلقت عليها الأوساط الشعبية ؟ الأسباب كثيرة، وكلها تؤكد بأن لا حاجة للأردن لمثل هذه الإتفاقية على الإطلاق. وحتى قبل عام 2014، كان الأردن ينتج كهرباء بأكثر من حاجته، من خلال استغلال الطاقة الشمسية واستيراد الغاز من مصر، واستغلال ثروة الصخر الزيتي الهائلة (العطارات)، إضافة إلى الغاز الموجود في حقل «الريشة» قرب الحدود العراقية، والذي يؤكد الخبراء بأنه يحتوي على الغاز بكميات كبيرة جداً. كان أجدى بالحكومات الأردنية المتعاقبة أن تستثمر العشرة مليارات من الدولارات من أجل إقامة مشاريع إنتاجية لحل مشكلة البطالة المتفاقمة بين الشباب الأردني.. بدلاً من دفعها الى الكيان الصهيوني المجرم لمساعدته في توسيع الإستيطان وتنفيذ مخططاته في القدس، وفي قهر الشعب الفلسطيني التوأم للشعب الأردني. كيف يستقيم الإدعاء الرسمي بالحرص على «حماية المقدسات ووقف الإستيطان ودعم الشعب الفلسطيني» مع … عقد صفقة ضخمة، لا لزوم لها أو يوجد لها بدائل عديدة، مع الكيان الصهيوني الذي سينفق أموالها على مشاريع الإستيطان ومخططاته؟

حتى تُمرّر الحكومات الإتفاقية المشؤومة إدّعى المسؤولون بأن استيراد الغاز سيسهم في تخفيض الكلف على شركة الكهرباء «تجنباً لإرتفاعات في التعرفة الكهربائية على المستهلكين خلال السنوات المقبلة» (صحيفة «الغد» بتاريخ 26/9/2016).. إذن لماذا الحديث الرسمي هذه الأيام عن رفع أسعار الكهرباء قبل نهاية العام؟ (ألا يذكّرنا ذلك بما كان يُردّد قبيل التوقيع على اتفاقية وادي عربة ـ عن قرب هطول المن والعسل والإزدهار الاقتصادي على البلاد .. هذا «الإزدهار» الذي لم يكن سوى مزيد من الأزمات والفقر والبطالة)…إنه الكذب والتضليل والإستهتار بحقوق ومصالح المواطنين، والإنحناء أمام الإملاءات الخارجية.

أكثر من ذلك: يتأهل منذ فترة وجيزة الناطقون زوراً بإسم الأردن لتحويله من «مستورد» إلى «سمسار» للغاز الفلسطيني المسروق على يد الكيان الصهيوني، من خلال عرض تزويد أقطار عربية مجاورة بالكهرباء بعد انتاجها بواسطة الغاز المسروق.

هل يحبط ذلك الأردنيون المنضوون تحت رآية «الحملة الوطنية الأردنية لإسقاط اتفاقية الغاز مع العدو الصهيوني» ؟ لا والف لا ! لأن الحملة ـ وإن لم تتمكن من تحقيق هدفها الأسمى وهو إلغاء اتفاقية العار ـ بالرغم من جميع الجهود التي بذلتها ، إلّا انها حققت خلال السنوات السبع الماضيات إنجازات وطنية كبيرة ومهمة، ليس أقلّها خلق رأي عام أردني وطني واسع مقاوم للإتفاقية، وفضحها سياسياً بحيث لا يجرؤ أي مسؤول الدفاع عنها، وكذلك الوصول إلى موقف برلماني وشعبي ونقابي ملتف حول مطلب إلغاء الإتفاقية ومحاسبة المسؤولين عن إبرامها، نظراً لمخالفتها للدستور الأردني، ولعدم الحاجة إليها أصلاً، ولتعارضها مع المصالح الوطنية والقومية لملايين الأردنيين والعرب.

مساء امس، السبت، التئم «الملتقى الموسّع الخامس لمواجهة صفقة استيراد الغاز من العدو الصهيوني» في مجمع النقابات المهنية بعمّان، ودار نقاش وتقييم لعمل الحملة الوطنية، ووضع الخطط والمقترحات لتطوير نشاطاتها، وتجديد أساليب عملها من أجل تحقيق الهدف المنشود وهو التخلص من اتفاقية العار.

القطاع الواسع من الأردنيين الذين أكدوا رفضهم للتطبيع مع العدو الإسرائيلي منذ الوقوع في جريمة «وادي عربة» لا يمكن أن يُفرض عليهم التطبيع عنوة؛ وليس سلاح «نزّل القاطع» الذي جُرّب قبل عام إلا واحداً من بين أسلحة عديدة تمتلكها الإرادة الشعبية، وسوف تبتكر مثلها في المستقبل.

في الحقيقة، كلما أمعن المرء في التفكير بمجريات السنوات السبعة الماضية، يكتشف بأن نضال الحملة الوطنية ضد اتفاقية الغاز يُكثّف ويختزل أهداف النضال الوطني الديمقراطي الأردني برمتها ؛ فهو ليس نضال فقط ضد التطبيع المرفوض مع العدو الصهيوني، بل أيضاً ضد التبعية، ومن أجل لقمة عيش الفقراء والعاطلين عن العمل وتنمية اقتصاد البلد، وهو أيضاً نضال من أجل الحريات العامة والديمقراطية وسيادة الأردن وكرامته (إسألوا نشطاء الحملة الوطنية كم تعرضوا إلى إجراءات قمعية).

من كايد مفلح عبيدات وجيله، إلى الأجيال التالية من المناضلين الشجعان البررة الذين تعاقبوا على مواصلة النضال الوطني الديمقراطي بلا كلل على مدى مئة عام…. ها هم شباب الجيل الجديد، الطلائع الوطنية في الحملة المناهضة لإتفاقية الغاز، يواصلون مسيرة تحرير إرادة الأردن والأردنيين. أما أولئك الذين ظنوا بأنهم قد «دجّنوا» الأردنيات والأردنيين «.. وانتهى الأمر»، فعليهم إعادة النظر فيما يظنون !

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى