المُحرّك الميكانيكي والثورة ، ما وجهُ الشَبَهِ بينَهُما ؟

المُحرّك الميكانيكي والثورة ، ما وجهُ الشَبَهِ بينَهُما ؟

م . عبدالكريم أبو زنيمة

قد يبدو العنوان مُستغرباً ، لكن في حقيقة الأمر أنَّ كلاهُما يتطلبانِ ظروفاً متشابهة لكي يعملا ويحققا نتائج مرئية ومسموعة، فطريقة عَمل المُحركات الميكانيكية تقوم على أربعة مراحل ، الشَفط وهي المَرحلة الأولى ، وهنا يقوم المحرك بشفطِ الوقود والهواء، أما المرحلة الثانية فهي مرحلةُ الضغط وهنا يقوم المكبس الموجود في داخل أُسطوانة المحرك بضغط المزيج حتى أقصى درجة وما أن يبلغَ الضغط أقصاه حتى تبدأ المرحلة الثالثة والتي تُسمى بمرحلةِ الإنفجار أو الإحتراق وهُنا تتولد طاقة هائلة عكسية تَعمل كقوةٍ دافعة لاستمرارية دوران المُحرك ، أما المرحلةُ الرابعة والأخيرة فهي مَرحلةُ طرد وكنس مُخلفات الإنفجار والتخلص منها.

بالنظر والإمعان في هذا المبدأ الميكانيكي وإسقاطهِ على الواقع الاجتماعي وبمقارنته مع آلية عمل مُعظم الثورات العالمية التي حدثت عبر التاريخ سنجدهُما يتشابهانِ إلى حدٍ كبير، فالمرحلة الأولى للثروة تبدأ عندما تتولى طبقة ما “ولنُسمها المحرك” السُلطة وتحتكرها وتتبادل المكاسب والمنافع فيما بينها وتستحوذ على كل ما تطاله الايدي وتنأى بنفسها عن بقية شرائح المُجتمع ، فتقوم هذه الطبقة بشفط كل موجودات خزّان وخزائن الوطن حتى آخر قطرة فيه ، هُنا تبدأ المرحلة الثانية ألا وهي مرحلةُ الضَغط ، فبعد أن يستفذ أولئك موجودات خزّان الوطن يتوجهون للمواطن لعصره وضغطه لاقصى درجةٍ ممكنة ، وبالعودة إلى التاريخ سنجد أنَّ هذا هو السيناريو الذي تكرر في مُعظم الثورات عبر التاريخ وهو لجوء الطبقة الحاكمة إلى فرض المزيد والمزيد من الضرائب وسلب المواطن قوت يومهِ ، إضافةً إلى اللجوء لتشديد وإحكام القبضة الأمنية لتكميمِ الأفواه وتقييد الحريات الشخصية والعامة ، هُنا وبعدَ هذه المَرحلة تحديداً تندلعُ الثَورة “مرحلةُ الانفجار ” بعد أن يخسر الشَعب جميع ما يملُك ، فلا يعود يخشى شيئاً ولا يعود يملُك ما يخسره ، حينَها ينكسر حاجز الخوف لديه فيقوم مُنتفضاً لكرامته ولُقمة عيشه. وفي النهاية وبعد أن تضع الثورةُ أوزارها ، تبدأ المرحلة الأخيرة أي مرحلةُ كَنس مُخلفات الثورة ، فبعد جميع الثورات التي حَدَثت عبر التاريخ ، نَجد أنَّ لصوص الأوطان الذين سرقوا ونهبوا بلادهم فروا إلى الخارج ولحقوا بأموالهم المُهربة اصلاً ، أما الذين نكّلوا بشعوبهم فكانوا على موعدٍ مع المقصلة أو حبل المشنقة في نهايةِ المَطاف ، وهذا هو مقياس نَجاح وجودة عَمل الثورة ، قُدرتها عَلى كَنس رموز الفساد واللصوص والمتآمرين والعابثين بأمنِ وقوت المواطن وكل من باع نفسه لخدمتهم وحراستهم !
aboznemah@yahoo.com

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى