دي ميستورا: الأسد باق حتى 2018..!!

سواليف

بوثيقة من خمس صفحات تتضمن أكثر من ألفي كلمة، قدم المبعوث الأممي الخاص لسوريا “ستيفان دي ميستورا” رؤيته لدور الأمم المتحدة في أي انتخابات يمكن أن تجري في سوريا، مقدما جداول زمنية مفترضة، وصفها بأنه مبنية على سينياريوهات مفرطة في التفاؤل والطموح، في إشارة واضحة إلى سودواية المشهد السوري وتعقيده.

الوثيقة   جاءت تحت عنوان عريض يوضح بأنها “سرية”، وأنها وثيقة مفاهيم ورؤى خاضعة للمناقشة.

تضمنت الوثيقة 22 بندا، حاولت تناول العملية الانتخابية من مختلف أطرافها (قانونية، سياسية، تقنية، مالية..)، مستعرضة جملة من الشروط الواجب توفرها مسبقا لإطلاق الانتخابات، والتحديات التي تعترض هذه العملية.

*لن يتنازلوا

تنطلق وثيقة “دي ميستورا” في صفحتها الأولى مما تسميه “خيارات تفويض الأمم المتحدة”، مشيرة إلى ضرورة الحصول على تفويض من مجلس الأمن، مع توقعها بأن “السوريين” لن يتنازلوا عن صلاحياتهم التي تخص عملية الانتقال السياسي لا للأمم المتحدة ولا لأي جهة أخرى، لكنهم في نفس الوقت سيعتمدون على الأمم المتحدة بشكل لافت في مجال المشورة الفنية والسياسية، وصولا إلى طلب المساعدة الأممية في إضفاء الشرعية على عملية الانتقال.

وينوه “دي ميستورا” بجلاء إلى أن الجداول الزمنية التي يقدمها في وثيقته، والتي تخص وضع دستور جديد وتصديقه وإجراء انتخابات، هي جداول ذات مواعيد مبنية على نظرة “متفائلة للغاية”.

وتنتقل الوثيقة بعد ذلك، للتأكيد على أن ميثاق فيينا نص على دور إشرافي للأمم المتحدة، فيما يخص العملية الانتخابية، كما إن الأمم المتحدة تعد في نفس الوقت طرفا مساهما في عملية “الموافقة الشعبية” التي ينبغي الحصول عليها لتصديق الدستور جديد.

وتعرض الوثيقة السرية 4 خيارات لدور الأمم المتحدة في أي انتخابات قد تشهدها سوريا، وهذه الخيارات تبدأ من استلام زمام الانتخابات بكامله (إجراؤها وتحمل نتائجها)، وتنتهي بخيار الاكتفاء بالمراقبة، مرورا بخيار “الإشراف” الذي يعني ترك مسؤولية إجراء الانتخابات لـ”السوريين”، وإعطاء الأمم المتحدة دور الشاهد والمصدق على نزاهتها، وصولا إلى خيار تقديم المساعدة التقنية الذي يعد خيارا وسطا –إلى حد ما-، حيث تقدم الأمم المتحدة مشورتها المتعلقة بالأمور الإجرائية، دون التدخل في الشق السياسي.

وتركز الوثيقة بالذات على خيار “الإشراف” منوهة بأن هذا الأسلوب كان شائعا نسبيا خلال فترة الاستعمار ولكنه بات نادرا جدا فيما بعد، مذكرا بأن آخر إشراف للأمم المتحدة كان في انتخابات ناميبيا، قبل نحو 27 عاما، مستعرضا رؤوس أقلام رقمية من هذه التجربة.

*عواقب الإشراف

ويفصل “دي ميستورا” في خيار الإشراف معتبرا أن اللجوء إليه يحمل في طياته عواقب سياسية وتشغيلية مؤثرة على الأمم المتحدة، معددا 4 نقاط اعتبرها تلخص جوهر عملية الإشراف، الذي يعني في النهاية تحمل الأمم المتحدة مسؤولية الانتخابات ونتائجها، علما أن قيام الأمم المتحدة لوحدها بكل كبيرة وصغيرة في هذه العملية أمر مستبعد، لأن يوم الاقتراع وحده يتطلب توفر 130 ألف موظف، حسب رأي المبعوث الأممي، الذي اعتمد في تقديراته على أرقام صدرت عن الداخلية السورية في 2012، تقول إن عدد من الناخبين يبلغ قرابة 14 مليون نسمة.

*لب الوثيقة

في الصفحة الثانية من وثيقته السرية، يعرض المبعوث الأممي ما يسميها “التحديات الرئيسة” التي تعترض تفويض الأمم المتحدة، معددا 4 نقاط عامة، تتعلق بمدى مسؤولية الأمم المتحدة عن العملية الانتخابية، وحجم الجهد والتمويل الواجب بذلهما، والوقت المطلوب لاسيما فيما يخص الاستفتاء الشعبي على الدستور الجديد.

ويصل “دي ميستورا” إلى ما يمكن وصفه بلب الوثيقة، الذي يتعلق باستعراض مواعيد العملية الانتخابية، معيدا تجديد التأكيد على أن هذه المواعيد مبنية على نظرة “مفرطة” في طموحها وتفاؤلها، وكأنه يقول إنه يقدم رؤية طوباوية، تحاول رسم نقطة وردية وسط مشهد محاط بالسواد الحالك. 

ويشير “دي ميستورا” إلى ما يسميها “ممارسة الاقتراع الأول” الذي يمثل الاستفتاء على الدستور الجديد، قائلا إنه لايمكن أن يحدد موعدا لهذا الاستفتاء، ومنوها بأن ما ينبغي أن يكون منجزا بحلول صيف 2016، هو صيغة الدستور الجديد، وليس الاستفتاء عليه.

ويواصل المبعوث الأممي ليوضح أن أي انتخابات رئاسية أو برلمانية لايمكن عقدها إلا بعد حول يناير/كانون الثاني 2018 حكما، وهو ما يعني أن الرئيس الأسد “باق” باقتراح أممي في سدة الرئاسة حتى موعد أقله ربيع 2018.

وتزداد الثقة بأن وصف “مفرط التفاؤل” يمكن أن يكون وصفا مخففا جدا، مع الخوض في واقع شديد التعقيد، محاط بجملة من الشروط والتوافقات الشائكة جدا، يطرحها “دي ميستورا” تحت بند “التنفيذ-

المراحل السياسية والعملية”، مشيرا إلى ضرورة توفر مجموعة من “الشروط السياسية المسبقة”، التي لا يمكن أن تتم المباشرة في التحضير العملياتي بدون توفرها، وهذه الشروط هي:

أ. إتمام تأسيس إطار عمل إدارة الانتخابات، بما في ذلك البنى اللازمة للتنفيذ والرقابة.

ب. وجود اتفاق على الإطار القانوني للانتخابات، بما في ذلك النظام الانتخابي وقضايا مفتاحية أخرى مثل الأهلية (أي جدارة الترشح والانتخاب).

ج. الجدول الزمني، مع تأمين مفهوم العمليات والميزانية. شاملا تكاليف عمل هيئة إدارة الانتخابات وميزانية لعمليات الاقتراع.

*اللازمة

وبرغم حديثه عن إمكانية مزامنة بعض التحضيرات والإجراءات، اختصارا للوقت، فإن المبعوث الأممي، يعود للتحذير من أمور يمكن أن تسهم في تأخير المواعيد المضروبة، ومنها ما يختص بتلبية رغبات العدالة الانتقالية المطروحة من قبل الأحزاب المعارضة، ضاربا مثلا لتلك الرغبات بقضايا “اجتثاث البعث”.

ويجدد “دي ميستورا” تشاؤمه من إمكانية عقد انتخابات في المواعيد المضروبة، بشكل غير مباشر، معتبرا أن من الصعب للغاية التكهن بطول الفترة الزمنية اللازمة للموافقة على الشروط المسبقة الضرورية لإجراء الانتخابات، ومعقبا: “المفاوضات حول هذه الشروط يمكن أن تكون مثيرة للجدل وطويلة الأمد”.

ويزيد المبعوث الدولي من جرعة تخوفه، لافتا إلى وجود “قضايا معقدة” تخص الإطار القانوني للانتخابات، وتتطلب “دراسة متأنية واتفاقا يسبق بدء العملية الانتخابية”، مقترحا مناقشتها منذ البداية وعدم تأجيلها، لأن أي تأجيل سيؤثر على كامل الجداول الزمنية.

ويعدد “دي ميستورا” 9 قضايا معقدة، يتعلق أبرزها بالنظام الانتخابي والدوائر الانتخابية، ومعايير أهلية الناخبين والمرشحين، وعملية التحقق من المرشحين، وارتباطها بقرارات العدالة الانتقالية، والدول التي سيتم فيها في التصويت خارج سوريا، فضلا عن المناطق التي سشتهد التصويت داخل سوريا.

وينتقل المبعوث الأممي في الصفحة الرابعة والخامسة من وثيقته السرية، للحديث عن قضايا إدارية ومالية (توظيف، تمويل، ترجمة..)، وهي قضايا تستغرق 9 بنود كاملة (من 14 حتى 22) يتطلب التعامل معها وحلها وقتا من شأنه أن يؤثر على الجداول الزمنية.

وتلفت “زمان الوصل” هنا إلى أن من أكثر العبارات تكرارا في في الوثيقة هي العبارات التي تحذر من “تأثر الجداول الزمنية” وإمكانية “تأخير” المواعيد المضروبة، وهي عبارة “لازمة” تكاد لاتخلو منها فقرة في الوثيقة؛ ما يفصح عن عمق تخوف “دي ميستورا” وقلة ثقته بتنفيذ ما يطرحه للنقاش على طاولة الدول المؤثرة؛ كما يكشف في نفس الوقت عن فداحة الأزمة السورية وعمق تعقيداتاها، وبعدها عن أي حلول سياسية ولو في حدها الأدنى، حيث يبدو تطبيق الحدود الدنيا مستوجبا لتوفر معايير وشروط، تبدو شبه مستحيلة إذا ما تركت لإرادة التوافق، التي يمكن تعطيلها باعتراض أو تدخل بسيط. 

وكالات

 

 

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى