أكبر عملية اختلاس لمعلم / رائد عبدالرحمن حجازي

أكبر عملية اختلاس لمعلم

طفت على السطح مؤخراً خلافات بين نقابة المعلمين وبين جهات حكومية ونيابية . منها نظام الخدمة المدنية . لا أدري لما كل هذا التجيّش ضد المعلم ؟ فتارةً يُعاب على المعلم عدم التزامه بالدوام الكامل كباقي الموظفين , أو يتطرق البعض لهندامه , أو لتدني مستوى التعليم وغيرها من الأمور .
في البداية أرجو أن يتسع صدركم أيها الأصدقاء لما سأورده في هذا المقال . فأنا ربما شهادتي تكون مجروحة كوني خدمت حوالي 30 عاماً في وزارة التربية والتعليم , ولكنني وجدت من باب الإنصاف أن أوضح بعض الأمور التي تخفى على البعض وخصوصاً لمن هم من خارج المؤسسة التعليمية .
أولاً : بالنسبة لساعات الدوام فمن المعروف أن معظم مدارسنا وخصوصاً الحكومية يكون نهاية الدوام مع نهاية الحصة السابعة أي حوالي الساعة الثانية بعد الظهر . مع مراعاة المدارس الأساسية ورياض الأطفال . وهنا لا بد من التنويه بأن أكثر من نصف المعلمين من الإناث وغالبيتهن يرتبطن بمواعيد حضانات لأطفالهن أو المرور على بيت الأهل أو أهل الزوج لاصطحاب أطفالهن للبيت هذا بالإضافة لتجهيز طعام الغداء للعائلة وأمور بيتية تعرفونها جميعاً . أما المعلمين الذكور فهناك التزامات بعد الدوام لا تقل أهمية عن دور الزوجة مثل شراء الحاجيات والمتطلبات اليومية .
ثانياً : بالنسبة للهندام ربما تكون هناك حالات فردية ولكنها لا تُعتبر عيب فني يؤثر على عطاء المعلم , مع مراعاة الظرف الخاص لهذا الشخص . وهنا دعوني أذكر لكم حالة حدثت معي شخصياً وبعدها تعلمت درساً بأن لا أصدر الحكم سريعاً . ففي إحدى زياراتي الإشرافية جلست مع معلم بما يسمى (لقاء فردي ) ولفت نظري البنطال الذي يرتديه كان فيه أكثر من رقعة أو (رثية) . وبعد انتهاء اللقاء جلست مع المدير وقلت له : يا حبذا لو أنك تُلفت نظر المعلم للإهتمام بهندامه . وهنا كانت الصدمة بالنسبة لي بعد أن وضح المدير بعض الأمور حيث أخبرني بأن زوجة المعلم ماتت منذ حوالي السنة تقريباً وتركت له ولدان وبنت الولد البكر في الصف التاسع والبنت في الصف السابع والولد الأصغر عمره 10 سنوات ويعاني من مرض التبول اللا إرادي مما منعه من الإلتحاق بالمدرسة وجعله حبيس البيت , ناهيكم عن مصروف الفوط الذي يستهلك جزء كبير من الراتب . ولن أخوض بتفاصيل أكثر .
ثالثاً : تدني مستوى تحصيل الطلبة . نعم هناك تدني واضح وخاصة عند الذكور والأسباب لا يتحملها المعلم وحده فهناك عوامل أخرى مثل عدم تفعيل العقوبات بحيث أصبح الإعتداء على المعلم من البديهيات وبفنجان قهوة يتم تطيب خاطره والتنازل عن حقه الشخصي بسبب الضط المجتمعي , كذلك كثرة البرامج التدريبية والتي للأسف معظمها عبارة عن برامج يتم إعدادها وتمويلها من دول خارجية وأجنبية ليتم تطبيقها عندنا بحجة دعم التعليم والتطوير وبالنهاية يأخذوا نتائج هذه البرامج (التغذبة الراجعة) ليتم تطبيقها عندهم غير أبهين بسلبيات هذه البرامج وما تؤثر به على طلبتنا وعلى نظامنا التعليمي ككل .
أحبتي يكفي جلداً بالمعلمين وبنقابتهم فهم على الأقل يجالسوا أولادكم يومياً أكثر مما تجالسوهم أنتم , وربما يسمع المعلم للطالب ويحل مشاكله , بينما بعض أولياء الأمور ليس لديه الوقت ليسمع من فلذة كبده عن مشكلة ما أو حتى الإستماع لمطالبه , وربما لا سمح الله تتفاقم وينتج عنها كارثة . فكم من حالات الإنتحار والإدمان حدثت لطلاب بعمر الزهور لأسباب نفسية عانى منها الطالب أو الطالبة وكان ولي الأمر أخر من يعلم بهذه الأسباب .
وأخيراً تبقى مهنة التعليم أشرف وأنبل وأنظف مهنة عرفتها البشرية أوليس معلمنا سيدنا محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم وكذلك باقي الرُسل والأنبياء فقد أرسلهم الله معلمين وناصحين للبشر .
أختي المعلمة أخي المعلم يكفيكم فخراً بأننا لم نسمع يوماً عن معلم اختلس ملايين الدنانير أو باع مقدرات وطنه . بل على العكس فأكبر عملية سرقة أو اختلاس لمعلم كانت عبارة عن قطعة من الطباشير نسيها في جيب بنطاله .

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى