وإن عدتم عدنا

وإن عدتم عدنا
جمال الدويري

قلناها من بداية شهر العسل مع الحكومة, ان جاز التعبير, لأن العسل لا تشوبه مرارة, الا ان عسلنا ربما كان مغشوشا او مخلوطا بقرارات اقل ما يقال ببعضها انها عشوائية متخبطة, وعرض عضلات لا مكان له في ميدان صحة شعب ووطن, وعلى ما يبدو فإن الحكومة قد راعت توقيت حقبة الهدنة مع المواطن, فجعلتها شهرا او بعض شهر, كما في تسمية شهر العسل, وأغفلت نقاء وصفاء العسل.
استبشرنا خيرا وصفقنا على مضض, لأن الماضي اسود من قرن الخروب مع حكوماتنا, ولم نصدق انفسنا وإعلام الحكومة يبشرنا بعهد ونهج جديدين, وتنقل لنا الأخبار والصور عن دويّ نحل يشتغل وخلايا متعددة ومكثفة تصل الليل بالنهار, ونشاطات وزراء اضحوا نجوما رفعنا لهم القبعات وتعظيم سلام,
لكنها الجمعة المشمشية التي خيبت الظنون وكشفت العورات وأسقطت وريقات التوت, فانتهى الشهر ومرمر العسل, ورجعنا الى مربعات أمِلنا انها قد اصبحت خلفنا, وعدنا لتسجيل الحالات بالعشرات كل يوم.
وهذا ليس لان كورونا جندت احتياطها والتفت من وراء الجبل الينا وسددت نحونا بقوة اعظم وأكبر, او انها تذكرت ثأرا لها عندنا, بل لأن الأداء الحكومي وفريق إدارة الأزمة, قد بات مثل قالب من الجبن السويسري المثقّب, ثغراته كارثية وعثراته بعيدة عن كبوات الجياد والفرسان.
وقد قلناها مرارا وتكرارا, ورددها الاردنيون كثيرا دون ان تجد وعيا صاغيا: تأخرتم بإغلاق الحدود, وإن سبقتم بعض الدول الأخرى, فدفعنا الثمن غاليا, تأخرتم وماطلتم وربما ضعفتم امام رأس المال ولوبيات التجارة والبزنيس, فلم تنفذوا ما اعلنتموه انفسكم من آلية (الباك تو باك) على المنافذ البرية, أقسم بشرفي وتوقيع على نص هزيل قصير ووعد بالحجر المنزلي الذاتي, كانت مسخرة كافية لكم لترك أخطار متحركة وشأنها, لتنشر الوباء وتوسع دائرة الخوف الكوروني, اراجيل ودبكات في ساحات الكرفانات المحجورة لم تحتاطوا لها وانتظرتم حتى فضحتها التسجيلات والتوثيق, حرمنا انفسنا من اجر وصل العنايا والأحبة في رمضان الفضيل, وتركتم ولائم وتجمعات وبؤر مرض تنفث الفيروس اللعين في اوصال الأبرياء, على مسمع ومرآى من إدارتكم, بيعت التصاريح وتوجر بالكمامات ومواد التعقيم, وسجلتموها جزئيا ضد مجهول, رغم ان الجناة معاليم بالإسم والإعتبار, ولا نتائج حتى اللحظة, وعلى مبدأ (عريان وقع على مصلّخ), شلّحتم المواطن من دريهماته القليلة جدا, ولحستم الزيادات والحوافز المستحقة لصغار الموظفين والمعلمين والعسكر, وطلبتموهم للتبرع لصناديق ومبادرات كثيرة معلومة ومجهولة, وحتى دعم الخبز وغيره من الصغيرات, رميتموها في سلة الكورونا, وتركتم في نفس الوقت والآن, حيتان الملايين والمليارات تراكم ما اكتنزت في الداخل والخارج لحال سبيلها, دون ان يخفق لكم طرف, وأكثر من ذلك, فقد تواترت اخبار عن تهريب مليارات المساعدات التي جاءت للمسخمطين والغلابى الى ملاذات آمنة خارج الحدود وعين القانون, وعلى مبدأ (هرّب مليارك الأبيض ليومك الأسود).
ولا ننسى تطاولكم الفج على أموال الغلابى في صندوق الضمان الإجتماعي, والرواتب الخيالية التي تتقاضاها مجموعة من اصحاب الألقاب والذوات, من عرق وتعب وأمان المعثرين من الكادحين, الخارجين الى التقاعد والضمان بما لا يغني ولا يسمن من رواتب هزيلة, لاعتبارات لا تستند إلى منطق او عدل.
وتتحدثون ايها السيدات والسادة عن الترشيد, وضرورة دمج المؤسسات, وتبقى هذه احاديث موسمية مثل غثاء السيل, تفتقر للتنفيذ, في حين ان المطلوب, لأوضح من شمس في ظهيرة ايار: الغاء جميع الهيئات المستقلة والمجالس الوطنية واللجان الأبدية المكلفة وجيوش المستشارين, الموازية للوزارات والإدارات التنفيذية, التي لا هدف لها الا التنفيع والترضيات وجبر الخواطر المتخمة اصلا, وقبل ان يتبرع المعاثير بحصالات اطفالهم, فلا بد ان يصار الى إحصاء المليونيرية والمليارديرية الذين يلوذون بالصمت وعدم الاكتراث, وينكرون دين الوطن في رقابهم, وتحصيل ضريبة الوطن من اموالهم وموجوداتهم في بنوك الداخل والخارج.
سأتوقف عند هذا الحد, ليس لنفاذ الذخيرة او خلوّ الذاكرة من المزيد مما تزخر به كتب كثيرة توثق الخلل وتشي بالمخفي, ولكنها الرحمة بالوطن, ومراعاة لصفوكم من التعكّر, وبعض الخوف من سطوة سيف الجرائم الإليكترونية وأوامر الدفاع, المصلتة على رقاب الكلمة وأنين الشكوى.
نحب الوطن مثلكم وربما يزيد, ونخاف عليه مثل أكثر الناس ولاء وانتماء, ونراعي مصالحه ونرعاها وندارى سمعته كالأشد إخلاصا وعشقا, ومن هنا كان لا بد من هذا البوح والصرخة, دون ان انسى شكر المخلصين المجدّين القائمين على الخدمة العامة بكل وطنية وتفاني ونكران للذات, وبلا مصور مرافق للفعاليات.
وقد يقول قائل: (مش وقته), والصحيح المفيد, ان كلمة الحق لا وقت ولا مكان ولا ظرف محدد لها.
وبالختام, قالت امي رحمها الله: يمّه…اسمع من اللي ببكيك ولا تسمع من اللي بضحكك.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى