فليرحمك الله أبا خالد*

فليرحمك الله أبا خالد*
عبد الله سمارة الزعبي

قل الصدفة، أو قل القدر، أن كان اللقاء الأول الذي جمعني بالرجل في منزله العامر في شهر رمضان المبارك قبل نحو عشر سنوات، بعد أن تناولت طعام الإفطار برفقة أحد الأصدقاء في ضيافة ولده “محمد” إذ ائتم حينها بنا في صلاة المغرب..

كانت تلك هي زيارتي الأولى لمنزلهم المتهلل بالفرح، ذلك المنزل المتربع على سفح “الضحضاح” شمالي مدينة الرمثا..

جلس الرجل معنا بعد الصلاة وبجانبه ابنته الصغيرة ذات السبع سنوات، بعد أن سكب لنا ابنه “أحمد” ذو العشر، القهوة العربية المنكهة بهيل الأصالة والكرم..

مقالات ذات صلة

جلس يحادثنا ويناقشنا بتواضع جم، ممزوج بروح طيبة، وبشاشة وجه، ودماثة خلق، ما جعلنا نحادثه ونناقشه دون رهاب الفارق العمري، أو المستوى العلمي..

كان لافتًا في جلستنا تلك، ذلك المستوى الأخلاقي العميق الذي يتحلى به الرجل، يضاف إليه كمّ المخزون الثقافي والمعرفي والتاريخي المميز، ولم تكن تلك الدقائق كفيلة بسبر غوره، واكتشاف مكنوناته، فضلا عن قصورنا المعرفي حينها..

مرت السنون والأيام، وازددت يقينًا أن ذلك التواضع كان سجية طُبعت نفسه بها، لا تصنعًا أرغم نفسه عليه، فكلما رأى طلابًا في ضيافة أبنائه، جالسهم، وحاورهم، وضاحكهم، ولاطفهم، ولا أذكر مرة أنه غفل فناداني باسمي المجرد، رغم الفارق الكبير بيننا: عمرًا وعلمًا !

وفي كل مرة نلتقي، أسبر غوره أكثر، فأكتشف مكنوناته، وأغترف من معارفه، وهو يقدم تلك المعارف والمكنونات الفريدة دون أن يشعرك بقصورك أمامه، بل يحدثك وابتسامته المميزة تعلو مُحياه، فلا تكاد ترى العبس في وجهه قط..

وعلى الرغم مما مررت به من ضغط اجتماعي وأمني، خلال السنوات الماضية، ما انفك بيتهم، خير مستقبل، وأبناؤه خير أصدقاء، يعلوهم جميعًا نُبل أخلاقٍ اغترفوه من نبل أخلاقه، وصدق نصيحة، عهدتها منه، كما عهدتها منهم، ووفاء صحبة، وأكرم به من وفاء، كأنما رضعوه من “الوفاء”..

يكاد الفجر أن يبزغ، وتخبو همة الكتابة، ويجف مداد القلم، ولا تنفد كلمات المدح بحقه؛ فما حادثته مرة -أو شهدت له موقفًا- إلا وازددت به احترامًا وتقديرًا، كيف لا؟!

وهو الصدوق إذا سُئل، المنصف إذا عز الإنصاف، الناصح الأمين إذا قل الناصحون الأمناء، المتجرد عن الهوى إن اتبع الناس أهواءهم، الصبور إذا أوذي وحورب، والعفو إن تمكن وتغلب..

وما مواقفه -لمن يعرفه- إلا خير شاهد على ما أقول..

رحم الله أبا خالد، وتغمده بواسع مغفرته، والعزاء موصول إلى أهل بيته، وعشيرته الأكرمين..

_____
*الأستاذ الدكتور عبد العزيز علي الخزعلي، أستاذ علم الإجتماع السياسي ورئيس قسم علم الإجتماع والخدمة الإجتماعية في جامعة اليرموك..

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى