خواطِر مغتربٍ / د. إبراهيم خليل السريحين

خواطِر مغتربٍ ..

عِندما كنتُ طِفلًا يانعًِا ، كنتُ أجِدُ في رؤيةِ المغتربين العائدين إلى الأردنِّ أو سوريّا أعزّها الله وردّها وحماها منفذًا إلى عالمٍ آخر ..
كنتُ أرى سيّاراتهِم الفارهة تعلوها هداياهم و الدراجات الهوائية لأطفالهم فأظنُّ أنّهم يملكون الدنيا .. ويعيشون نعيمًا لا شقاء فيه ولا مشقّة ..
لَم أكن أعلمُ بما وراءِ هذه الرحلات الطويلة من ألمٍ وغصّة لا تمحوها أموال الدنيا حتّى اغتربتُ .. فرثيتُ لحالهم !
في الشهرِ السادِس مِن كلِّ عام يحزمُ المغتربون حقائِبهم متوجهين إلى أرضِ الوطن .. تسبقهم ضحكاتهم وتسابقهم أشواقهم .. يتوقون لعناقِ الأهلِ مرّة .. وإلى السمرِ معهم تحت الدوالي وبين الزيتون مرّة أخرى ..
وحتّى إن لم يكن هذا كلّه .. يكفيهم جلوسهم في الحاكورة يداعبهم النسيم .. ويصنعون ذكرياتٍ لهم عسّى أن يحملوها كي تخفف من وَجدهم وحنينهم الفيّاض إذا اغتربوا .. ولعلّهم بين كلِّ خَطرةٍ وخطرة .. يفكرون بقلوبٍ دامعةٍ لِم اغتربوا !
أوجدوا فرصة لَهم في أوطانهمِ فلم يَقنعوا ؟! ما سافروا إلّا لضيق الحالِ وطلبًا لرزقِ الله في أرضهِ .. فوالله ما اختاروا الفِراق وإنّما .. حكمت عليهم بذلك الأيّام !!
هاقدّ مرّت الشهور سراعًا .. وقد حزموا الأمتعة عائدين لغربتهم مرّة أخرى !
حزموا الأمتعة .. ولكن كيف لهم أن يحزموا الوطن !!
كيف لهم أن يأخذوا من الهواء العليل نسمة .. ومن ساعات السحرِ لحظة ..
عبئوا حقائبهم بالحاجاتِ .. فكيف لهم أن يعبئوها براحةِ بالهم واطمئنانهم عندما كانوا في الوطنِ !
في الشهرِ الثامنِ من كلِّ عام .. تمتلئ المطارات والحدود البريّة بالعائدين .. يرحلون .. وقلوبهم تلزم اوطانهم .. تأبى مفارقتها .. وتصيحُ :
جسمي هنا .. غير أنَّ الروح عندكم * فالجسمُ في غربةٍ والروح في وَطنِ
لا ينكرون فضل غربتهم .. ولا يجحدون ميزاتها .. ولكنّهم في لحظةِ صدقٍ مَع أنفسهم .. أوليست ” بَرندتي ” أجمل في ناظرِي منها !!

لم اغترب- ولله الحمد – كثيرًا .. ولَم أقضِ عشرين او ثلاثين سنة في الغربةِ كحالِ كثير من الناسِ يتجرعون الأعوام علقمًا .. والفِراق دواء مرّ معانقين أمانيهم سعيًا وراء لقمة العيشِ باذلين شبابهم وأنس حياتِهم ..ويا ليتهم حققوا الغنى واليسار .. ما حققوا إلا كفافًا لا يُحسدون عليهِ إلا مِن جاهِل..
قضيتُ أعوام سبع .. لكنّها كانت سبعًا سِمان .. سِمانُ بالتجربةِ وألم الفراق ومرارة البعدِ .. سِمانٌ في محاولة التأقلم مع ثقافات جديدة .. وشعوب مختلفة .. سِمانٌ كنتُ خارج الأردنِّ وقلبي مرفرفٌ حرّ طليق فيها …
https://www.facebook.com/profile.php?id=100005291835455

مقالات ذات صلة
اظهر المزيد

‫2 تعليقات

  1. ان شاء الله تبقى سبعكم سمان لا عجاف فيها. الحياة كلها يا دكتور ضنك ومشقه، من كان في الوطن يأمل بالسفر من اجل التغيير وان يصل لحياة افضل، ومن كان مغترب يشتاق الى الوطن. اللهم اجعلنا جميعا من اهل الاخرة هي الوطن الذي لا غربة فيه، وان يحفظكم جميعا وتعودوا لنا سالمين

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى