خريطة توضح التهديدات الأمنية للحدود الشمالية

سواليف

أخطار أمنية متداخلة ومتشابكة يفرضها تواصل الأزمة السورية على الحدود الأردنية الشمالية، وتفرض بتحدياتها على المملكة أعباء أمنية واقتصادية واستراتيجية كبيرة، لصد تلك الأخطار، أو التقليل من آثارها السلبية.
استقراء خريطة التهديدات والتحديات الأمنية التي يشكلها اشتعال الأرض السورية بالحرب، وتنازعها بين عشرات ومئات التنظيمات المسلحة والتشكيلات العسكرية النظامية التي تعود لعدة دول، يؤشر أساسا إلى وجود “ثلاثة أخطار” مباشرة يواجهها الأردن عند حدوده الشمالية مع سورية، أبرزها تنظيم “داعش” وجبهة النصرة الارهابيين وحلفائهما من جهة، تليها قوات “الجبهة الجنوبية”، ثم المليشيات الشيعية وتلك المقربة من إيران.
وتتوزع تلك التنظيمات المتطرفة والفصائل المسلحة على الشريط الحدودي بين الأردن وسورية، والممتد لمسافة 375 كيلو مترا، ما يزيد من حجم الأعباء على القوات المسلحة والأجهزة الأمنية في التعامل مع الأخطار المحتملة.
ويبين الخبير العسكري والاستراتيجي اللواء المتقاعد الدكتور فايز الدويري، أن هذه الفصائل المسلحة داخل الأراضي السورية تمتد ابتداء من الحدود الأردنية السورية الفلسطينية التاريخية، وحتى نقطة لقاء الحدود الأردنية السورية العراقية.
وأشار الدويري لـ”الغد”، إلى أن الشريط الحدودي أصبح “عبارة عن نقطة فراغ بعد انسحاب قوات الجيش السوري، بحسب المفهوم العسكري، ما شكل عبئا إضافيا على القوات المسلحة الأردنية التي باتت مسؤولة عن حماية الحدود بين الطرفين”.
التهديدات والتحديات للأمن الوطني الأردني، على هذه الحدود بدأت بعد اندلاع الأزمة السورية في آذار (مارس)2011، وتفاقم الخطر وتعقد بعد اضطرار الجيش السوري لترك مهامه في حماية حدود بلاده مع انشغاله بالحرب الأهلية، ليتولى حرس الحدود الأردني تلك المهام ومضاعفة جهوده لحماية أمنه الوطني.
الدويري يقسم الحدود الأردنية السورية إلى أجزاء عدة؛ هي منطقة “حوض اليرموك” الواقعة تحت سيطرة تنظيم “داعش”، إلى جانب المنطقة الممتدة من ريف درعا من الجنوب الغربي حتى الشرق من تلال الرفاعيات، وتوجد فيها قوات “الجبهة الجنوبية” التي تضم عشرات الفصائل الصغيرة، إضافة الى جبهة النصرة التي يطلق عليها حاليا (هيئة تحرير الشام)، إضافة إلى وجود جماعات شيعية في المناطق غير المسيطر عليها من قبل المعارضة المسلحة، فضلا عن خطر المليشيات الشيعية.
ويشير إلى منطقة البادية، التي تمتد من نهاية المنطقة الثانية حتى الحدود الأردنية السورية العراقية، الموصوفة بـ”الرمادية”، وتتواجد فيها مجموعة من الفصائل المسلحة ذات الامتدادات العشائرية، مثل (جيش مغاوير الثورة، أسود الشرقية، أحرار العشائرية، جيش سورية الجديد وقوات أحمد العبده)، وهي مجموعة قريبة من الأردن وقوات التحالف الدولي لمكافحة الإرهاب.
وقال: “بالرغم من أن منطقة البادية تتواجد بها فصائل مسلحة قريبة من الأردن، إلا أنها تشكل أيضا خطرا استراتيجيا على المملكة”.
ويتساءل الدويري: “ماذا بعد الرقة؟ أين سيذهب تنظيم داعش؟” ويرى ان “داعش” لن يكون أمامه سوى ثلاثة خيارات “إما الاحتفاظ بوادي الفرات الذي يمتد من دير الزور مرورا بالميادين والبوكمال وانتهاء بمنطقتي (بعانا وراوا) في العراق، أو أن يذوب في صحراء الأنبار ويركز وجوده في وادي حوران والرطبة، وبالتالي يعتمد استراتيجية (سمكة الصحراء) في تنفيذ عملياته القتالية المستقبلية، أو أن يتجه نحو بادية الشام الجنوبية”.
جيش خالد بن الوليد التابع لداعش، يبعد مسافة كيلو متر واحد عن الحدود الأردنية، فيما تبعد تنظيمات إسلامية والجيش الحر، والميليشيات الشيعية التابعة لإيران 70 كيلو مترا، “وقد تصبح داعش بعد عملية الرقة أكثر قربا من حدودنا” بحسب تقديرات الدويري.
ووفق الدويري، فإن “تداعيات الثورة السورية، خاصة بعد النصف الثاني من 2012، أفرزت ما يطلق عليه “الجيش الحر”، الذي كان له حضور قوي في ريفي درعا والقنيطرة، بعد أن حقق انتصارات على قوات الجيش السوري، ليدخل بعدها تنظيم جبهة النصرة الذي بايع زعيمه أبو محمد الجولاني، زعيم تنظيم القاعدة أيمن الظواهري، ما دفع كثيرا من دول العالم لوضع هذا التنظيم على قائمة المنظمات الإرهابية.
ويشرح “أثناء تلك الفترة، جرى تنسيق بين الجيش الحر وجبهة النصرة، وتم تنفيذ عمليات عسكرية مشتركة ضد الجيش السوري، ومن أبرز تلك العمليات ما عرف بعملية مثلث الموت، التي وقعت أحداثها في منطقة تمثل حلقة الوصل بين ريفي درعا والقنيطرة، ويوجد فيها عدة تلال، منها تل مسحرة، وتل المال، وتل الحرة، وفي الوقت ذاته ظهرت في تلك المناطق مجموعة من التنظيمات الإسلامية المعتدلة، مثل أحرار الشام، وفيلق الرحمن وجيش الإسلام، ثم ظهر تنظيم داعش الإرهابي الذي خلط الأوراق في المنطقة”.
وبين أنه “نتج عن ظهور داعش، تآكل الجيش الحر في الثورة السورية، مقابل زيادة قوة الفصائل الإسلامية، ومنها جيش خالد بن الوليد، وحركة المثنى في حوض اليرموك اللذان بايعا تنظيم داعش، وبالتالي أصبحت هذه الفصائل الموجودة في حوض اليرموك تشكل شوكة في خاصرة الأمن الأردني، وذلك لأهمية موقعها الجغرافي الذي تسيطر عليه، وقربه من الحدود الأردنية”.
وقال: “إيران لم تقف مكتوفة الأيدي إزاء مصالحها الاستراتيجية في سورية، فسعت لإثبات وجودها في منطقة جنوب دمشق، في ريفي درعا والقنيطرة، من خلال إرسال عناصر من الحرس الثوري، وفيلق القدس، وحزب الله اللبناني، وميليشيات عراقية، والتي يتركز قسم منها في ريف دمشق الجنوبي، وفي ريف درعا الشرقي، وريف القنيطرة”.
وأوضح أنه “رغم إخراج عناصر تنظيم داعش من إدلب وحماه، إلا أنه في صيف 2014 تمكن التنظيم من التمدد وأصبح يشكل خطورة أكثر على الأمن الأردني”.
أما على صعيد منطقة البادية السورية الجنوبية، فيرى الدويري، أنها “منطقة رمادية”، مشيرا إلى أنها “تتميز بأمرين، أولهما شبه الفراغ السكاني، وثانيهما غياب السيطرة العسكرية الفعلية، ما يسمح لأي قوات بسهولة الحركة في تلك المنطقة”.
وعن “الخطر” الذي يواجهه الأردن من الوجود والنفوذ الايراني في الازمة السورية، يرى الدويري أن “التحضير الأميركي الفاعل بعملية الرقة، أدى إلى إنهاء المشروع الإيراني (الحلم) بإنشاء طريق الحرير الذي يبدأ من “قم” إلى بغداد، ثم إلى جنوب الموصل وجنوب تل عفر، وجنوب جبل سنجار، ثم مدينة الحسكة وحلب ثم اللاذقية وطرطوس”.
وهو يرى انه “كان لا بد لإيران أن تجد البديل، للإبقاء على الشريان الحيوي لإمداد حزب الله والقوات التابعة لها والجيش السوري، فلم يتبق لها حاليا سوى طريق بغداد- التنف- دمشق”.
ويشير الى انه “بناء على ذلك، أرسلت إيران بعض المليشيات، مثل كتائب “سيد الشهداء”، وكتائب “الإمام علي شرقا”، والتي وصلت إلى منطقة “السبع أبار” التي تبعد عن دمشق مسافة 120 كيلو مترا، وعندما لم يتم التعامل معها أو إعاقتها عسكريا من قبل قوات التحالف، قامت بالخطوة الثانية وهي الحركة لمسافة 60 كيلو متر شرقا، ما دفع الطائرات الأميركية للتدخل وتدمير بعض المعدات العسكرية لتلك الكتائب”.
ويضيف الدويري أن القوات الأميركية “لم تكتف بذلك، بل فرضت حدودا إدارية حول التنف تمتد من مركزه إلى 40 كيلو مترا غربا، واعتبرتها منطقة خاضعة للفصائل المتحالفة معها، كما لم تسمح لإيران والفصائل المتحالفة معها بالتواجد فيها”.
ويشير الدويري إلى أن “الخطورة تتمثل الآن بوجود ميليشيات تابعة لايران تبعد 70 كيلو مترا عن الحدود الأردنية في منطقة “السبع آبار”، وهي خارج السيطرة وتقع في المنطقة الرمادية، ما يسمح لتلك المليشيات بالتسلل للحدود الاردنية”.
وأضاف: “هذه التحديات والتهديدات التي تواجه الأردن وتشكل خطرا على أمنه الوطني، تعني أنه لا بد من وجود تهديدات داخلية، كالخلايا النائمة التابعة لتنظيمات سنية أو شيعية متطرفة، أو ذئاب منفردة تتبع تلك التنظيمات”.
وتابع: “كما توجد تهديدات خارجية، من قبل الجماعات الإرهابية العابرة للحدود، والتي تحاول اجتياز الحدود الأردنية أو الإخلال بأمن المناطق الحدودية المأهولة كما حدث في الركبان”، لافتا إلى أنه “لهذا برز مفهوم “الدفاع بالعمق”، الذي أشار إليه جلالة الملك عبدالله الثاني، والذي يعني أنه على القوات المسلحة الأردنية أن تتدخل من خلال تنفيذ عمليات تحت مبدأ “المخاطرة المحسوبة”، بالتعامل مع أي هدف تشير المعلومات الاستخبارية إلى أنه يشكل خطرا على الأمن الوطني الأردني”.
ويقترح الدويري حلولا عسكرية في مواجهة تنظيم داعش (جيش خالد بن الوليد) القريب من الحدود الشمالية الأردنية، وذلك “باستخدام طائرات سلاح الجو بأنواعها المقاتلة، أو الطائرات العامودية المسلحة، أو طائرات الدرون-أي بدون طيار- أو باستخدام النيران المسددة بعيدة المدى، أو العمليات الخاصة”.
ولا يرى الدويري أي مصلحة أردنية بإرسال قوات أرضية تقاتل في الداخل السوري “بسبب التداعيات السلبية التي قد تنتج عن ذلك التدخل”، ويقول “يمكن الاستعاضة عن تلك القوات بإعادة بناء وتأهيل الجماعات السورية المسلحة القريبة من الأردن لتتولى تلك المهام”.

الغد

مقالات ذات صلة
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى