حول الترجمة

سميحة خريس – أشد الرحال هذه المرة إلى ألمانيا، وليست هي المرة الأولى التي أتوجه فيها إلى هذا البلد الذي يتحدث مواطنوه بلغة عصية علينا، نظراً لأن الأغلبية منا يتعاملون مع الإنجليزية كلغة ثانية. لكنّ المرة الأولى التي تعاملت فيها مع اللغة الألمانية عندما حللتُ ضيفة على معرض الكتاب في فرانكفورت، فاجأتني بأن كثُراً من الأساتذة والأكاديميين الأردنيين يتقنون الألمانية، كما أن كثراً من الألمان يتقنون العربية، ولعل تلك الزيارة كانت بداية المسيرة نحو ترجمة رواياتي إلى الألمانية.
يعاني الأدب العربي عموماً من إشكالية تتعلق بالترجمة، لأن دور النشر الغربية تطلب مقاييس محددة، أشبه بتلك المقاييس التي تطبَّق على النجوم، وقد تظلم تلك المسطرة جمعاً لا يستهان به من الكتاب العرب، لهذا أتعجب من إقبال دار نشر غربية على مغامرة الترجمة خارج المقاييس المتعارف عليها، تمسكاً بهدف يتعلق بالجودة والفن أولاً، ومن ثم تقديم العالم العربي إلى الغرب كما هو، لا كما يريدونه ويتخيلونه، ولعل هذه ستكون المهمة الصعبة التي ستحكم جولتي المرتقبة في عدد من المدن الألمانية، فأنا لا أحمل بضاعة مبهرجة تخاطب الحس الغربي، ولا أنصاع للشروط التي توجه مسار الأفكار في نصي الإبداعي.. لي غاياتي وأفكاري، فإن ترجموها يكون عليهم قبولها كما هي، وقد أقدمت “دار علاوي” على تلك المغامرة معي ومع سواي من الكاتبات العربيات اللواتي لا ينصعن لمسطرة الترجمة الباحثة عن الإثارة والغموض وخفايا المرأة الشرقية، فمعظم من ترجمت الدارُ لهن قدمن فناً ناضجاً له سطوعه الخاص حين كُتب بالعربية، وفوق ذلك اعتنت أن يكون له خصوصيته ودقّته حين يترجَم، متعرضاً للتحرير لا للتحوير والتبديل.
ويظل السؤال قائماً، ما مدى أهمية أن تترجَم أعمالنا؟
كل كاتب يريد الوصول إلى شريحة أوسع من القراء، لكننا نكتب بلغتنا، هي وعاؤنا الذي يحملنا من دون التباس، وجمهورنا بالطبع قراء العربية، ولكن هذا لا ينفي أهمية الوصول إلى الآخر، لقد قرأنا بنهم على مدى عقود في الأدب الروسي والإنجليزي والألماني والإسباني، وسواه، عرفنا العالم على حقيقته عبر الفن والأدب، لا عبر التقارير السياسية، ومن حقنا أن يعرفنا العالم عبر نصوصنا الإبداعية، وهذا في حد ذاته مساهمة حقيقية في تقديم الإنسان العربي وتاريخه وحاضره وأحلامه المستقبلية إلى العالم، وإن كانت لا تكفي حماسةُ ناشرٍ ما على وجه الكرة الأرضية ومغامرة ناشر آخر في إيفاء الصورة حقها.
من هنا نعتقد أن اقتحام عالم الترجمة واجب على المؤسسات الثقافية، لتقدم ما لدينا على مقاس شرطنا الإبداعي، لا على مقاس السوق الغربية.
أتمنى أن يأتي اليوم الذي يقرأنا الغربيُّ فيه كما نقرأ باموق وماركيز وألليندي، لا لفرحة الشهرة والانتشار، لكن لنقدم حصتنا من الثقافة إلى العالم، لنتواصل ونصل، وربما أيضاً لنزيح كل ما علق في الذهن عن عالم صدّره الإعلاميون والساسة على شاكلتهم، عالم ملتات بالدم والهم والفساد.

أ.ر

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى