حرب وفساد وتحرش / جروان المعاني

حرب وفساد وتحرش

لعل أكثر الجمل صدقا لتوصيف حال العربي وهو يتحدث عن مقاومة الفساد هو المثل الأردني(بعد ما فرغت الكروم أجت القرعا إتحوم) فمهما حاولت القرعة أن تجمع من الزيتون لن تعصر منها جالون زيت، فصاحب الكرم قد باع المحصول وما بقي على الشجرِ إلا المنسي أو (لبراره).
طالعتنا الصحف بتحليلات ومقالات بين مدح وذم لما يجري على ارض السعودية الشقيقة، ولفت الانتباه جملة مفادها (والخط الفاصل بين الأموال العامة وأموال الأسرة الحاكمة ليس واضحا دائما في السعودية) وهو أمر بالمطلق صحيح فكيف نحاسب من اختلس مليار في حين تم دفع 400مليار لمستر ترامب وما زال الدفع مستمرا .
ما بين الفساد والإرهاب علاقة طردية حيث كلما زاد الفساد زادت نسب الفقر والحقد وتغلغل الإرهاب وصار مبرره اكبر، والاستشهاد على ذلك لا يحتاج لكثير عناء ولكنه يحتاج لفهم واسع للأوضاع الداخلية لكل بلد، مؤكدين على أهمية فهم شكل الصراع الكوني على المنطقة، وكيف استطاع الغرب أن ينشر الرعب بعقول قادة الدول النفطية فمنذ ربع قرن والغرب يعلن انه سيتم الاستغناء عن النفط لصالح الطاقة النظيفة وواقع الحال أن الحاجة إليه في ازدياد.!
من نافلة القول أننا جميعا مع إعادة كل مال منهوب ومع قصقصة أجنحة الفساد في كل البلاد، لكن ما لا استطيع فهمه هو تهافت الدول على الطلب من رعاياها مغادرة لبنان، وتصاعد نبرة التهديد لإيران، وإغراق الشعوب بالكراهية لكل من يطالب بمقاومة إسرائيل ونسيان احتلالها وصعود نجم الاحتلال الإيراني للأهواز، ولفهم كل ذلك علينا الاطلاع على قانون المقاطعة الجديد الذي أصدرته إسرائيل لمعاقبة كل من يدعو لمقاطعتها، وكذلك علينا استيعاب بنود قانون الجرائم الالكترونية ورفض صندوق النقد الدولي لرفع سعر الخبز في الأردن.!
كل ما يحدث يبشر أن القادم سيحمل مزيداً من خنق الحريات وقتل لقيم المجتمعات والتركيز على الشكليات، حيث سيكون همنا الحديث عن تفشي ظاهرة التحرش الجنسي بنفس الوقت الذي نزيد فيه إنتاج الأفلام الإباحية، ودائما ستدفع المرأة الثمن، وسنهتم بالزراعة من أجل تحسين نوعية المنجا والجوافة ونرفع أسعار الخبز والبطاطا وسنجعل المُزارع ينسى كيف يُزرع القمح، هكذا بكل بساطة سنغرق في سطحية الأمور وكل غوص في الأعماق سيعرضنا للمسائلة القانونية .!
من الواضح أنه ما عاد في دنيا العرب أحزاب للمعارضة، وما عاد هناك وجود للأصوات المرتفعة التي تطالب الحكومات بالعدالة الاجتماعية، وأن كل حديث عن الفساد سيفسر انه تطاول على القوانين حيث الأدلة يجب توفرها قبل أي حديث عن شبهة فساد، متناسين أن الفاسد ذكي لن يترك خلفه دليلاً، وقريباً جدا سيكون هناك تعريفا مختلفا لكثير من المفاهيم من اجل بناء جيل لا علاقة له بدين او قيم ومعتقدات، ولعلي من أكثر الناس طلبا للتغيير ولكن ليس على الطريقة الإسرائيلية.
أخيرا العالم ينتقل للخطوة الثانية لخلق الفوضى الخلاقة، فها هي داعش والوهابية إلى زوال والعقل العربي يعتاد التلاعب به فتصبح قطر أكثر خطرا من إسرائيل، وحزب الله وحماس تعادل داعش، وكل مفكر اجتماعي يجب أن يكون سياسي فاسد، وكل صحفي عليه أن ينتظر بيان الحكومات ليكتب وإلا اتهم بالتحرش السياسي والفكري .

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى