ليس للبيع أو المبادلة

ليس للبيع أو المبادلة
د. هاشم غرايبه

التقى معاوية ابن أبي سفيان يوماً عمرو بن العاص، فسأله: يقولون عنك داهية العرب، فبم اكتسبت هذا اللقب؟، فقال ما دخلت مدخلا إلا خرجت منه، فرد معاوية: إذاً فأنا أدهى منك، فأنا لا أدخل مدخلا لا يمكنني الخروج منه!.
فيما بعد، أصبحت السياسة علما بعد أن كانت مجرد مهارات فردية، لذلك فهي تدرّس في الجامعات، ويتعلمها من لم تكن لديه موهبة الدهاء والحنكة، وفي العصر الحديث أصبحت في متناول حتى الأغبياء والمغفلين، فرأينا حكاما لدول عظمى صعدوا سدة الحكم، ولا يتمتعون بالحد الأدنى من الذكاء اللازم للتعلم والتدرب، لكنهم قادوا بلادهم بفضل نخبة من الخبراء والمحنكين يحيطون بهم، ويرشدوهم الى التصرف الأصوب.
المؤسف أن هذا الأمر لا ينسحب على البلدان العربية، فلو استعرضنا كل قرارات أصحاب القرار، من أكثرها أهمية وخطورة الى أقلها، سنجد نتائجها دوما كارثية، بدلالة الإنهيار الإقتصادي المتسارع بسبب الفشل الإداري، والتراجع المتوالي في هيبة الدولة بسبب الفشل السياسي.
لماذا ذلك؟.
إن سلمنا أن الحكام العرب ليسوا من اختيار مواطنيهم، بل ينزلون على رؤوسهم كالقضاء لا قبل لهم برده، ، فأين المستشارون والخبراء والناصحون!؟.
لا شك أن التفسير هو لكونهم لا يفعلون إلا ما يرضي الغرب ويحفظ مصالحه، وليس ما ينفع الناس، فلا يحبون الناصحين، بل المؤيدين والهتافين، ليزينوا أفعالهم فيُحمدوا بما لم يفعلوا.
إن استعرضنا ما حدث في الأردن مؤخرا جراء القرار الخاطئ بقمع المعلمين من خلال اعتقال قيادتهم النقابية، بدل التفاوض على مطالبهم، سنجد المثال الساطع على الفشل المزمن في التعامل مع قضايا الوطن.
مطالبة المعلمين بحقوقهم المشروعة ليست جريمة تستدعي الإعتقال التعسفي، وهنالك في القانون ما يسمح لنقابتهم باللجوء الى المطالبة والتفاوض تحت التهديد بالإضراب في حالة تعنت السلطة، ولو كان لدى الحكومة أدنى درجات الإلمام بالسياسة والقدرة على إدارة الأزمات، لما لجأت الى مخالفة الدستور والقانون وتوريط السلطة القضائية معها في هذه المخالفة بتوقيف أعضاء مجلس النقابة، وهي تعلم أنه لا توجد قضية ضدهم تستدعي ذلك.
لقد نصت المادة 114 فقرة 1 من قانون اصول المحاكمات الجزائية على أن “التوقيف هو تدبير استثنائي”، وحددته في سبع حالات لا يجوز تجاوزها، فالتدبير لا يعني عقوبة، بل هو إجراء احترازي يتم اللجوء إليه اضطراريا في حال كون وجود المتهم طليقا يشكل خطورة على حياته أو على حياة الناس.
فأين وجد التكييف القانوني لتلك الخطورة في هذه الحالة؟.
أليست مخالفة السلطة للدستور والقانون هو أشد خطراً على المجتمع، ويستوجب من السلطة القضائية (المستقلة) إصدار أمر مستعجل بإيقاف هذا التعدي الصارخ!؟.
أليس في هذا الوطن رجل رشيد ليرفع الصوت وينبه الغافلين إلى إن التذرع بقانون الدفاع أو الطوارئ لتبرير هذا التجاوز باطل، لسببين:
أولهما: أنه مخالف للدستور، والدستور أعلى سلطة من كل قوانين الطوارئ والدفاع والعقوبات.
وثانيهما: مخالفة اتفاقية مناهضة التعذيب الدولية لعام 1984 التي وقع عليها الأردن وبالتالي التزم بتنفيذها، وغني عن التذكير بأن الإتفاقيات الدولية ملزمة لمن يوقع عليها، ومقدَّمة على القانون العام، وهذه الإتفاقية تعتبر التوقيف المشروع والمعاملة اللاإنسانية والإهمال الطبي هي من جرائم التعذيب، ونصت المادة 2 الفقرة الثانية منها على عدم جواز التذرع بأية ظروف استثنائية (التي تستوجب إقرار قوانين خاصة كالطوارئ والدفاع)، كما نصت الفقرة الثالثة على تحميل مصدر القرار القضائي المسؤولية، ولا يقبل منه الاحتجاج بالأوامر الصادرة عن موظف أعلى أو سلطة.
الخطأ الإستراتيجي الذي ارتكبته الحكومة في هذا القرار، سواء كان بقرارها أو أنها أعلمت به، أنه يأتي في أحرج الأوقات، وفي وقت يئن فيه المواطن المنهك جراء تحميله وحده كلف الفساد وسوء الإدارة، فيما الفاسدون متنفذون وينعمون بالرعاية والحصانة من المساءلة.
المقلق في الأمر أن أصحاب القرار واهمون أن القبضة الأمنية هي التي تحقق أمن الوطن، وغافلون عما يراه الحريصون الحقيقيون على الوطن من خطورة الدفع بالناس الى الحائط، لتيئيسهم من إمكانية الإصلاح، ولم تفلح قصص الأنظمة القمعية المجاورة وما أدت بأوطانها الى الخراب في التنبيه الى الخطأ القاتل الذي ارتكبوه، ودفعوا أنفسهم وشعبهم ثمنا باهظا له.
العاقل من يرتدع بغيره والأحمق من يعاند الى أن تقع الفأس بالراس.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى