الموت الرومانسي / جروان المعاني

الموت الرومانسي
على طول المسافة الممتدة من اقلاع الطائرات وحتى لحظة اسقاط حمولتها من البارود القاتل على رؤوس الابرياء المحتضنين لرعبهم تتبدل الاسماء والمسميات فيصبح الموتى بين ارهابي وشهيد، ويحفل المشهد باختلاط دم الاطفال والنساء والمسالمين مع دم الارهابين والعسكر، فيصبح للموت رومانسية حين يفيق بعض الجرحى ويجدون انفسهم احياء وسط الموتى، ويتكرر المشهد على مساحات الاحتراق في اليمن والعراق وسوريا وتبقى ليبيا في ذيل الاهتمامات.
في مكان أخر حيث حلقت الطائرات فوق جمهور متحلق حول راقصة فاتنة الملامح تترنح بين الرقة والابتذال، يجلس رجل في زاوية الملهى يكتب عن مآساة بلاده يحلل ما يجري ويحصي عن بعد عدد القتلى، يحدد الجهة التي شنت الغارة، ويبحث عن اسم ارهابي ليبرر موت الاخرين، يكتب نصراً مزيفا يصفق له العوام ويبجلون عمل الطائرات وحاكم البلاد واصدقائه في بلاد العم سام وروسيا وصولا لتركيا واسرائيل فايران، كل بحسب تحالفاته .
حالنا من سيء الى اسوأ، ضعف مكلل بالعار والهزيمة، واوراق امتلأت بالاماني والدعاء على الطائرة وقائدها وانقسام الجمهور على سبب غارة الليلة، منهم من يشكر الحاكم انه ما زال حياً، ومنهم من يصمت خوفا من انكشاف معارضته فيُقتل على يد المؤيدين والعسكر المندسين بين الجمهور.
كل هذا الموت الرومانسي يمول بنفطنا حيث قائد الطائرة يقبض اجره من قوى تتسابق على ايقاع اكبر عدد من القتلى، ونحن بانشغال دائم حول كيفية تأمين المال لشراء اكفاننا، بنفس الوقت الذي يعاد فيه ترسيم البحر من جديد خدمةً لاسرائيل و(المرور البريء) لسفنها.
اللاعبون على وتر السياسة الواجفون من الفهم الخاطئ لسياساتهم، يتلاعب بهم الاتراك والايرانيون، ودوما اسرائيل هي التي تُنفَذ مطالبها، فالحاكم الذي يحاول الافلات من قبول الرؤية إسرائيلية يمسي عدوا للسلام.
ملخص الحكاية اننا نُقتل بلا مبرر، فالداعشي الذي لا ندري من اين اتى يتسبب بقتلنا، والعسكري الذي يحمل السلاح لحمايتنا يقتلنا ظنا منه اننا نتعاطف مع ارهابي في حقيقة الامر هو مقاوم للاحتلال، نمارس حصارنا الشرس على العزل من اهل غزة، نستبسل على بعضنا فنحاصر اهل قطر، وتدور الدوائر وننسى الدواعش كما نسينا القاعدة لنبحث عن مسمى جديد للاعداء حيث من المرشح ان يكون الاخوان المسلمين هم الاعداء القادمين، وسينقسم الجمهور اكثر خاصة في الدولة التي كان يعتقد انها ام الأمة، فتكتمل رومانسية الموت ويصبح لفطير صهيون طعم اشهى.
الاسماء تتساقط، زعماء اعتقدنا انهم لا يفنون فاذا بهم اول المنسيين، دول اعتقدنا انها عصية على الانهيار فاذا بها اوهن من بيت العنكبوت، مفكرين وكتاب كبار صرنا نشكك بهم ونسعى لمحوهم من ذاكرتنا، نبحث في عمق التاريخ لنبرر انقسامنا، هشمنا كل المرايا حولنا حتى لا نرى حقيقة التردي الذي نعيش، واكتفينا بصورة القائد المؤقت الذي سيتم الخلاص منه بابشع صورة حال انتهاء دوره ثم نعود وننساه، نستلهم طرقا جديدة للقتل فقد اصبحت الطلقة وسيلة قديمة والكيماوي فقط للذكرى .
اسماء مدن يسكنها شبح الانتظار متى يأتي الدور لتفجير اثارها ومحوها، قباب وكنائس صار دورها كيفية خلق الفتنة، وشيوخ يفتون بأن الموت الرومانسي ليس بجريمة، فموتوا بصمت ..!

اظهر المزيد

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى