جولة جنيف الجديدة … تشدد بنكهة الضعف / تاج الدين عبدالحق

رئيس تحرير شبكة إرم الإخبارية

لا يُغيّر تشدد النظام السوري بشأن “مقام الرئاسة”، ولا تشدد المعارضة بضرورة رحيل النظام، معادلة الجولة الرابعة من مفاوضات جنيف. فالموقفان لا يعبّران عن معطيات حقيقية، فلا النظام قادر على فرض شروطه، ولا المعارضة قادرة على التمسك بشروطها، وهو في أحسن الأحوال كلام سياسي مرسل، يوظّف إعلاميا لخدمة مواقف لم تصل لمرحلة طرح الحلول وفرض التسويات.
وعلى خلاف ما يعتقد البعض، فإن تشدد النظام لايعني، بالضرورة، تحسنًا في الموقف التفاوضي له، خاصة بعد الإنجازات العسكرية الأخيرة التي تحققت له بفضل الدعم الخارجي الروسي والإيراني، وهو يعلم أن تلك الإنجازات -رغم ما يقوله عنها أو يردده في وسائل إعلامه- لم تضف إلى رصيده السياسي شيئًا كثيرًا، بل جعلته رهينة بأيدي داعميه، ليصبح قراره السياسي كحال القرار العسكري الذي بات الروس يتحكمون في أدق تفاصيله، وفي مراحله كافة.
ولعلنا نتذكر التوبيخ الروسي، إثر تصريحات الرئيس السوري واشتراطاته، غداة الاتفاق على وقف الأعمال القتالية، والتي حاول فيها الأسد قطف ثمار الإنجازات العسكرية الروسية بإظهار الثقة بقدرة نظامه على استعادة السيطرة على كامل التراب السوري.
وما يقوله وزير الخارجية السوري بشأن ما يصفه بمقام الرئاسة، هو لغو سياسي لا أكثر، واستباق طاووسي لمعركة تفاوض، يعلم المعلم -قبل غيره- أن من يتحكم بمفاتيحها ويوجّه مسارها، هم من أوحوا بالمفاوضات أو رتّبوها.
بالمقابل، فإن تشدد المعارضة وتمسكها برحيل الأسد، مناورة سياسية لا أكثر، في ظل ما تتعرض له من ضغوط ميدانية وسياسية، وفي ضوء حالة التشتت والتصنيف، التي مزقتها بين معارضة متطرفة وأخرى معتدلة.
الأمر الجديد في الجولة الرابعة، أن الأطراف المشاركة في المفاوضات تأتي وقد وصلت إلى حالة من الإنهاك العسكري والسياسي.
ولعل هذا ما يفسر الصمود النسبي لهدنة وقف الأعمال القتالية، فالنظام -رغم النجاحات الميدانية التي تحققت له- غير قادر على توسيع مدى هذه النجاحات، بحيث تصل إلى المناطق الشرقية والشمالية من سوريا، إما بسبب توزيع الأدوار الضمني بين روسيا والحلفاء، الذي رسم لكل طرف مناطق عمل ميداني لا يتعداها، أو بسبب المخاوف من دخول أطراف إقليمية جديدة على الصراع، وأبرزها السعودية ودول الخليج التي أبدت استعدادًا للتدخل البري في سوريا، مع ما قد يجرّه ذلك من تداعيات على مجمل المشهد الإقليمي.
والمعارضة المشاركة في المفاوضات -حالها حال النظام- تعاني أصلاً من ضعف بنيوي ولوجستي، بحيث تبدو مواقفها، وهي ذاهبة لجنيف، كصدى لما يقوله حلفاؤها، وما يتوافقون عليه مع نظرائهم في الجانب الآخر.
أجواء الجولة الجديدة من محادثات جنيف -رغم ما تحمله من متغيرات- ليست كافية لتوقع حلول، أو انتظار الوصول إلى تسويات، فالمسافة لا تزال بعيدة عن حسم عسكري أو توافق سياسي.
وإذا كانت الإنجازات التي حققها حلفاء النظام في الساحل السوري، قد مهّدت الطريق أمام الهدنة، فمن الواضح أن هذه الهدنة ليست كافية لصياغة الحلول والاتفاق عليها.
المفاوضات قد تنجح بتثبيت الهدنة القائمة، وهو إنجاز مهم إذا تحقق، فالهدنة في وضعها الحالي -رغم عدم التكافؤ الميداني بين أطرافها- تحمل الكثير من الإيجابيات للمعارضة، فهي رغم أنها في جانب منها محصلة للإنجازات العسكرية التي حققها الروس، إلا أنها يمكن أن تكون في نفس الوقت فرصة للمعارضة لالتقاط الأنفاس، وبداية جديدة تسهم بتنقية صفوفها مما علق بها من شبهات وممارسات، وتمكينها من بناء نفسها من جديد، وصولاً للخروج من حالة الشرذمة التي جعلتها تخسر سياسيًا، أكثر مما خسرته ميدانيًا.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى