جوع الفلوجة.. الأهالي ينازعون الحيوانات على طعامها

سواليف
بعد كل نداءات الاستغاثة تجاه معاناة سكان مدينة الفلوجة في غرب العراق، عبر مواقع التواصل الاجتماعي، جاءت الاستجابة الحكومية بحسب ناشطين بمزيد من القصف على الأهالي المحاصرين.
يقول الناشط محمود القيسي، وهو أحد منظمي حملة “الفلوجة تُقتل جوعاً”، لـ”العربي الجديد” إنّ عدد ضحايا المدينة، منذ بدء الحصار، بلغ أكثر من 3 آلاف و400 قتيل، من بينهم 500 طفل، بالإضافة إلى 6 آلاف جريح. ومع دخول الأزمة عامها الثاني، تقدّر أعداد المدنيين العالقين في الفلوجة بنحو 100 ألف نسمة، معظمهم من الأطفال والنساء وكبار السن، علماً أنّ الكثير من السكان لم يجدوا الفرصة للخروج من المدينة. ويخشى البعض الآخر أن تنتهي رحلة الخروج بالقتل أو الاختطاف. كما أنّ الوصول إلى بغداد يتطلب إيجاد كفيل بحسب شروط السلطات الأمنية.

حصار خانق فرضته القوات الأمنية مدعومة بقوات الحشد الشعبي الموالية لها على مدينة الفلوجة من جهاتها الأربع، بذريعة محاربة تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، مانعة دخول الدواء والغذاء إلى أهلها الذين أصبحوا بين سندان التنظيم ومطرقة الحكومة، بحسب القيسي، الذي يضيف أنّ العشرات من أهالي الفلوجة يفضلون الموت على استمرار معاناتهم التي تتمثل بانعدام الغذاء والدواء وكلّ سبل الحياة.
سجلت الأسابيع الماضية حالات انتحار في مناطق مختلفة من الفلوجة، بعدما منعهم تنظيم “داعش” من مغادرة المدينة، وبعدما استنفدوا كل شيء لديهم حتى النباتات والحشائش مثل الخبازة بحسب القيسي. كما أكل كثير من الأهالي ورق الأشجار. يتابع أنّ الحكومة فتحت ثلاثة منافذ لخروج العائلات. لكنّ تلك المنافذ ملغمة من قبل تنظيم “داعش”. وبالتالي، فالسكان المحاصرون لا يمكنهم الخروج بأي شكل من الأشكال ما لم يتلقوا مساعدة من قبل المعنيين.
يعتبر القيسي أنّ “الفلوجة اليوم تدفع ثمن مقاومتها الاحتلال الأميركي الذي بدأ مع الغزو عام 2003”. يضيف أنّ “الحصار هو معاقبة لأهالي الفلوجة بعدما عجزت القوات الأمنية عن اقتحامها فقصفتها عشوائياً”. يتساءل: “أين حقوق الإنسان التي تنادي بها الولايات المتحدة، وآلاف الأطفال في الفلوجة بلا دواء أو غذاء؟”.

بدوره، يقول الصحافي سلام خالد إنّ حصار مدينة الفلوجة ينقسم إلى حصار من قبل تنظيم “داعش” الذي يمنع السكان من الخروج إلاّ بكتاب سماح من قبلهم، وحصار تفرضه القوات الأمنية العراقية التي تمنع دخول المواد الغذائية والصحية مع استمرارها بقصف المدينة وسكانها.
يشير خالد لـ”العربي الجديد” إلى أنّ معظم الذين يموتون في الفلوجة هم من النساء والأطفال ممن هم حديثو الولادة حيث لا توجد بيئة صحية لهم، ولا يتوفر الحليب ولا اللقاحات. كذلك، يموت كبار السّن نتيجة نقص الغذاء والأدوية الخاصة بهم. ويؤكد أنّ “السكان المحاصرين في الفلوجة لم يتذوقوا الخبز المعهود منذ خمسة أشهر متتالية. لكنّهم يصنعون خبزاً من نوى التمر وحبوب الدخن (طعام الطيور) والماش (من أنواع اللوبياء) حيث تعجن هذه المواد وتخبز، لتشكل بديلاً مرّاً من الخبز”.

ينوه إلى أنّ “داعش” استولى على 40 ألف منزل بكامل أثاثها، وهي منازل تعود ملكيتها إلى سكان نزحوا وهربوا من بطش الحرب في الفلوجة. كما أنّ التنظيم يسيطر على المدينة ويمنع السكان حتى من التذمر أو الشكوى. ويشتري عبر إعلامه ذمم الناس الذين يتضورون جوعاً، فيعرض على من يقوم بتصوير مقطع فيديو يقول فيه إنّ المدينة لا تعاني من الجوع نصف كيس من الدقيق. كما يصور التنظيم مقاطع في مدينة نينوى على أنها في الفلوجة لتكذيب الحملة التي أطلقها الناشطون والإعلاميون للوقوف مع سكان المدينة المحاصرة وتقديم العون لهم.

على صعيد متصل، يقول عباس الفلوجي، وهو أحد سكان الفلوجة الفارين منها لـ”العربي الجديد”: “لا يمكن تبرير ما يحدث لمدينة الفلوجة. فمن يدفع ثمن هذا الحصار هم المدنيون من الطبقة الوسطى والمعدومة وكلّ شخص لم يؤيد تنظيم داعش الذي ينعم وعناصره بالغذاء والدواء بينما تعاني غالبية المحاصرين من الجوع”.
يتابع: “نحن نأكل طعام الحيوانات التي نفق بعضها وسرق داعش بعضها الآخر، كما أنّ الوضع في المدينة يتبدل من سيئ الى أسوأ بنتيجة الحصار وارتفاع أسعار المواد الغذائية إلى أضعاف ما كانت عليه، بالرغم من أنّ غالبية المواد منتهية الصلاحية ولا تصلح للاستهلاك البشري”.
يشير إلى أنّ سعر كيس الأرز العادي (50 كغ) المنتهي الصلاحية يصل إلى نحو 800 دولار أميركي. وكيس السكر المنتهي الصلاحية بـ400 دولار. ومثله كيس الحنطة غير المطحونة. أما البطاطا فسعر الكيلوغرام الواحد بأربعة دولارات بعدما كان بنصف دولار. فيما وصل سعر الطماطم إلى 8 دولارات والخيار إلى 5. أما البيضة الواحدة فسعرها نحو دولار وعشرين سنتاً. ويصل سعر لتر زيت الطعام إلى 28 دولاراً. والـ100 كيلوغرام من التمر (زهدي) بـ600 دولار، بعدما كان سابقاً بـ24 دولاراً. مع العلم أنّ مثل هذا التمر مخصص أساساً كعلف للحيوانات، لكنّ سكان الفلوجة باتوا ينازعونها عليه من أجل البقاء.
يتابع: “يمكنني أن أقول إنّ أسعار البشر أرخص بكثير مما تتوقعون. يموت الناس بجميع الأعمار من حديثي الولادة حتى المسنين من جراء الجوع ونقص المواد الغذائية وكافة أنواع الأدوية، ومن بينها أدوية الأمراض المزمنة، وأدوية السكري والضغط والقلب. ولا ننسى القصف الهمجي اليومي للفلوجة”.

إلى ذلك، يقول أبو أنس وهو من سكان الفلوجة، في اتصال هاتفي مع “العربي الجديد” من داخل المدينة المحاصرة، إنّ تنظيم “داعش” وافق على إدخال المساعدات إلى المدينة، كما شكل لجنة لاستلام المواد الغذائية والدواء “لكنّ الحكومة العراقية تراوغ في ذلك ولم تصلنا أي مساعدات غير القنابل والصواريخ التي طاولت المدنيين العزل”. يتابع أنّ المستشفيات تفتقر إلى أبسط أنواع العلاج، وقد بدأ الدواء بالنفاد ما تسبب في حالات وفاة خصوصاً بين الأطفال. كما تشهد المدينة نقصاً حاداً في المواد الغذائية، في ظل ارتفاع أسعار مواد شبه معدومة، فيعتبر محظوظاً من يحصل عليها.
العربي الجديد

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى