عمالة الأطفال.. براءة أضاعها الفقر أم الطمع؟!

سواليف – جميعنا نتذكر طفل «الكمالية».. الذي كان يبيع الكتب في ابرد ايام السنة حيث الثلوج تكتسح الشوارع جميعها والصقيع ينال من كفيه الصغيرتين، ليؤمن ثمن الكاز لتدفئة إخوته الصغار.

تختلف القصص و تختلف معها أسباب عمالة الأطفال لكن المعناة تبقى واحدة، فهذا الطفل « علي» والذي يعمل في محل تصليح للسيارات يستذكر ايام المدرسة بحزن، وإن لم يكن متفوقا فيها ولم يحبها آنذاك ، إلا ان ظروف عائلته اجبرته على الخروج والعمل في هذا المكان كما ان اغراءات المحيطين له بانه هذه المهنة تدر دخلا كبيرا هو ما دفعه لترك المدرسة والعمل هناك، حيث انه يشعر بسعادة كبيرة عندما يشتري ما يتمناه من احتياجات متعددة.

كثيرون من هم على شاكلة «علي» نراهم يندفعون حفاة بين السيارات وعجلاتها، فهم مجبرون على العمل في سبيل لقمة. ناهيك على العمل الشاق الذي يمارسونه ، ففك الاطارات وتركيبها يعد امرا صعبا على الكبار ، فما بال هؤلاء الصغار باجسادهم الغضة النحيلة!

عندما يذهبون في المساء الى منازلهم منهكي القوى وعليهم اثر التعب والإعياء، فكل ذنبهم انهم خلقوا فقراء استغنوا عن ادواتهم المدرسية بأدوات «البنشر» التي قد تكون خطيرة عليهم.

فقر أم طمع؟

هل الفقر هو المتهم الوحيد في زج الاطفال في سوق العمل؟، أم الطمع ايضا يشكل سبباً مهما في ذلك؟ ؟

يجيب «أبو رعد» بالقول : « افضل تشغيل ابني الذي لم يتجاوز الاحدى عشر ربيعا في محلي التجاري بدلا من الاتيان بموظف سيكلفني راتبا شهريا اضافيا.»

كذلك تأتي مغريات المحيطين للأطفال دافعا لترك المدرسة والتوجه للعمل، فراشد يعمل مع والده في بيع الخضارإلى جانب إخوانه ويقول إن التعليم أصبح يحتاج إلى الكثير من المصاريف المادية ويتطلب الانتظار لسنوات للحصول على وظيفة ولكن بالعمل بالتجارة نختصر سنوات كثيرة نجمع خلالها مبالغ لن تكون متوفرة لو استمررنا بالدراسة.

ورشات بناء وكراجات سيارات غيرها الكثير مما تخطف من الاطفال برائتهم يتعرضون خلالها لاقسى المخاط تحت شمسٍ حارقةٍ في الصيف، وأمطار وثلوج وبرد قارص في الشتاء دون أي حماية قانونية أو ضمانات إنسانية.

وعن هذه المشكلة يقول الاستشاري الاجتماعي الدكتور فيصل غرايبة :» ان عمالة الاطفال تعد ظاهرة اجتماعية سالبة بدأت تظهر بحدة في المجتمعات أمام ضغوطات تكاليف المعيشة أولاً وضرورة اسهام هؤلاء الاطفال في تأمين متطلبات المعيشة المادية –من وجهة نظر أهاليهم- بالإضافة إلى ظاهرة التسرب من المدرسة بسبب كراهية التعليم وعدم الرغبة بالمواصلة بالتعليم والذهاب للمدرسة هذا، وتعد هذه الظاهرة من اخطر الأزمات التي يتعرض لها العالم بأسره فتشغيل الأطفال وتسخيرهم في أعمال غير مؤهلين جسديا ونفسانيا للقيام بها له مضار على المجتمع بأكمله وليس الطفل العامل وحسب فهو عمل يهدد سلامة وصحة ورفاهية الطفل ، كما يعمل على استغلال ضعفه وعدم قدرته على الدفاع عن حقوقه، وتسخير الأطفال كعمالة رخيصة بديلة عن عمل الكبار.

ويضيف الدكتور غرايبة:» وبطبيعة الحال تقع المسؤولية في تشغيلهم على الاسرة والتي تهاونت في ترك ابنائها لورش العمل للبحث عن اعمال متواضعة ،كما أن العبء الثاني يقع على المدرسة عندما تسهم في تكوين كراهية ورغبة في ترك المدرسة تحت طائلة الخوف من المعلم ، واخيرا تقع المسؤولية الاكبر على قطاع الاعمال الذي يستقبل هؤلاء الاطفال لا بل ويرحب بهم ، حيث يقبلون باليسير من الأجور ويصمدون عند الاهانة والزجر وقسوة اصحاب العمل.

اما من ناحية التشريعات في الاردن يضيف د. غرايبة :» أن قانون العمل الأردني يحرم تشغيل الأطفال تحت سن 16 عاما، ولكن تبقى الرقابة ضعية غير متشددة في فرض تلك المخالفات عليهم.» أما معالجة هذه الظاهرة تقع على الاسرة والمدرسة واماكن العمل وعلى الرقابة الرسمية لتطبيق القوانين والتشريعات بايقاف تشغيل الاطفال فيها.

الآثار السلبية لعمالة الأطفال

لا يمكن ان تعبر هذه الظاهرة على الطفل دون ان تترك اي آثار عليه ومن اهمها الآثار الاجتماعية والاخلاقة والمتمثلة بفقدان فرص التعليم والتسرب من المدرسة والتعرض للعنف بكافة أشكاله واكتساب العادات السيئة مثل التدخين وغيره والتي قد تصل إلى حد الانحراف والانخراط في المخدرات والجريمة والتعرض للاستغلال الجنسي. ، كما تظهر على الاطفال آثار صحية جسدية، فنظرا لضعف الجهاز المناعي عند الأطفال فإن تأثرهم بالأحوال البيئية أكثر من الكبار يعرضهم للمخاطر الصحية أكثر من الكبار ويؤثر على نموهم وتظهر لديهم الأمراض المستعصية التي يصعب علاجها.

والاهم من ذلك الآثار النفسية عليهم حيث يؤثر عمل الأطفال على التطور العاطفي والمعرفي والسلوكي لديه فيفقد احترامه لذاته ويشعر بالدونية والاختلاف عن الآخرين ويصاب بالتوتر والقلق واضطراب السلوك والكثير من الأمراض النفسية.

وأخيرا تبقى هذه الظاهرة موجودة متفاقمة ولكن من يغيث هؤلاء الابرياء من براثن الطمع والفقر، فوجودهم في الشارع هو من أسوأ ما يمكن ان يصيب الطفولة بل والمجتمع بأكمله.

الرأي

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى