عظام خلف السياج

سيرة صوص

مقال الإثنين 9-3-2020
عظام خلف السياج
مجرّد أن رُفع الغطاء “المغمقان”* عن ذلك “القِعِد”* السعيد الذي نجا من برد ليالي كانون ومن برقها الذي يقتل الحياة في داخل البيضة كان الأطول عنقاً والأحد صوتاً..حتى في مشيته بين باقي الصيصان كان الأميز ، يسبقهم جميعاً ويلحق بالست الوالدة أولاً..كان يريد أن يأخذ العلامة الكاملة في الحياة ، هو الأسرع والأقوى والأهم والأجمل ،وبالفعل كان كذلك..مجرّد أن خرجت “القرقّة من الخم”..كان هو الأكبر بين أقرانه والأوضح بين أخوانه يحاول أن يهرول برجلين صغيرتين فيسقط بــ”البيطوس” فتنجده أمه وتخرجه، لا تثنيه العثرة ،فيستمر بالركض، يحاول أن يبتعد قليلاً عن “قروب” الصيصان السياحي الذي يتنزّه ما بين البيت الشرقي والخم والحاكورة والعكس ، وأن يغامر ليسرح بين العشب ويتذوق زهر الربيع للمرة الأولى..

كبُر الصوص ، وكان أحد الناجين بأعجوبة من افتراسات “القط الأشقر” الذي مزمز على كثير من رفاق الصياح مدمناً عظمهم الطري ، لقد أفلت أكثر من مرّة وكان سريعاً وذكياً ويعرف كيف يختبئ خلف صاحبة البيت أو وراء الديك الوالد في الوقت المناسب، لم يكن صيداً سهلاً، كان يتمتع ببنية مثالية ، تؤهله ليكون ديك الدار بلا منازع، الصوت عال وقوي ،الجسم مشدود، الريش ذهبي، المنقار شديد الصفرة، كان ينظر الى نفسه بإعجاب وهو يرى صورته في ماء “الجرن” الراكد، وكان يعتقد ان صاحب الدار ينظر إليه بنفس الإعجاب ،وللأمانة كان صاحب الدار معجباً به ،لكن لم يتخيّله أبداً كديك دائم الخدمة في الخم ،كان يراه في مكان آخر في الشتاء القادم ، بدأ الصيف سريعاً وكبر الديك وبلغ ،وأصبح أول من يخرج من الخم صباحاً ،وآخر من يدخل إليه مساء ، لديه من الحريم العديد الكبير، فهو حارس الدجاجات ،مطارد القطط،نابش العلف،قاتل العقارب ،مؤذن الفجر..وكلما مرّ الصيف زاد الديك سمنة وازداد إعجابا بنفسه، وازداد الديك”مفتول” العضلات إعجابا باكتنازه أيضاًَ..لم يكن يرى صاحب البيت كل ما يقوم به هذا الطير على أنه عمل ذات أهميه على العكس تماماً هو بالكاد يراه أصلاً؛ وبشكل أدق، الإعجاب الوحيد الذي كان يكنّه له صاحب الخم أن جسد الديك مكتنز وسمين وهذا بالضبط ما يقتضيه “المفتول”..

في أول الخريف..فتح صاحب البيت الخم..خرجت الدجاجات واحدة الأخرى،وعندما حاول ان يقفز من بين يديه، أمسكه تماماً ثم وضع رقبة الديك تحت جزمته وأخرج السكين من جيبه الخلفي..وذبحه تماماً دون مقدمات..ترنّح الديك، كان يمشي ويرتطم بالجدار والحجارة التي كان يقفز عنها كل صباح، تذكّر نباهته منذ أن أشرقت شمس “المغمقان”،وكيف كان الأطول عنقاً والأحد صوتاً ،وكيف كان الأسرع والأقوى والأهم والأجمل، تذكر البيطوس والاصرار على الجري، تذكر كيف أفلت عدّة مرات من القط الأشقر ..تموّجت الصورة بعينيه زاد الغباش عمّت العتمة..سقط الديك أرضاَ!.

يوم الجمعة :

بعد الصلاة مباشرة في ذلك اليوم التشريني ، “صدر المفتول” يتوسط الغرفة والبليلة تغطي صدر ورجلي وظهر الديك المقطّع..يتعازم الحضور عليه، يجرّدون لحمه بلا رحمة، يرمون عظمه قرب السدر وهو يتناقشون ، “حدا بدّه الراس”؟؟..”الراس للبساس” يقول أحدهم ..يرفع الطعام عن المائدة..تُجمع العظام الحمراء..ترمى خلف السياج..فيأتي نفس “القط الأشقر” فيأكل العظام التي نضجت بما فيه الكفاية تحت ريش الغرور..حتى بعض قطع الشحم القليلة الباقية من الرأس مغمض العينين..تصبح غنيمة للنمل الأحمر..

**

السياسي مهما اعتقد انه قوي وذكي ورشيق ونبيه..آخرته على “صدر مفتول” وعظامه خلف السياج!….فكم من “العظام خلف السياج”!.

_________________________________
*المغمقان: ماعون من القش يشبه “الطست”

*القِعد: فوج الصيصان.

احمد حسن الزعبي

ahmedalzoubi@hotmail.com

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

‫2 تعليقات

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى