.في باب (التعريم)

[review]من أهم ما يميز الصيف في بلدنا عن باقي بلاد الدنيا: بكمات الخضار الطوّافة بين الحواري..حيث تمرّ هذه الآليات ببطء شديد وكأنها في استعراض عسكري ، يعلوها صبي في الطعش من عمره ينزل رجليه عن البكم ، ويصيح بأعلى صوته كما لو أنه فقد للتو عضواً من أعضائه مروّجاً لبضاعته المكدّسة ..

لا يملّ هذا الفتى ولا يستسلم ولا يبح صوته وهو ينادي على البطاطا والبندورة والبيتنجان والعرنوس..بشكل متتابع و بدون فواصل، حتى يعتقد السامع انه شايل اللِّوز وحاذف من قاموسه أوتوستراد الشهيق والزفير..

تُوقِفُ البكم عادة نساء طمّاعات للغاية لا يكتفين بتعبئة البكسة حسب الأصول وحسب، وإنما يحاولن أن يعبئن ضعفيها طمعاً وجشعاً ونكاية بصاحب البكم المعثّر، الملفوح بشمس الفقر، والذي يدخّن باكيت كريم كاملاً بعد كل بيعة، وغالباً ما يتمادين في عملية تعريم الصندوق لدرجة أن إحداهن ترغب بفك الستيرنج والمسجل و السبير ومكبر الصوت وتأخذ فوق البيعة ايضاَ..

ولا يكتفين بذلك، بل و يفزّعن فلانة وعلاّنه لتبتّزه كل على طريقتها وملء جشعها تحت مبرّر المفاصلة والشطارة ..بالأمس شاهدت كرمة العلي تحمل فوق رأسها دونماً من البطاطا بشكل عامودي كل ذلك بدينار ونصف ..قسماً ،لو كنت رقيب سير لخالفتها .

مقالات ذات صلة

** أحياناً أقف مع الواقفين شأني شأن أي أردني رأى تجمّعاً لأكثر من واحد ، وأرى تمادي بعض المشترين في استغلال هذا المسكين ، و حمّة باله ..وتبخيس بضاعته.. ومجادلته في خسارته، لو كنت مكانه ، لأشبعتهم شلاليتا وعمر لا حدا باع.. الناس لا تراعي بعضها بعضاً ، ولا يأبهون بأن هذا البائع على باب الله ، يبحث عن الستيرة في زمن لا يرحم..فخلف كل بكم ألف قصة جوع.

بالمقابل أصحاب البكمات لا يرحمون أنفسهم ، فأول أمس، مرّ قرب بيتي بكم بحدود الساعة العاشرة مساء وهو ينادي على البيتنجان بصورة عصبية للغاية، وتوقّعت أنه سيقوم بشتم جميع سكّان الحارة واحداً تلو الأخر لعدم استجابتهم ..وفوراً غلّقت عليّ الأبواب خوفاً من أن يقتحم الرجل بيتي ويجبرني أن أشتري بكسة أو يأخذ أحد الأولاد رهينة ..لا مجال للتفاوض ، فأنا لا أحب البيتنجان أصلاً..

*** أخيراً ، مررت ظهر أمس على بكم بطّيخ ، جميع حباته مشقوحة ومرمية أنصافا ، وفي ظلّه هناك شماغ منصوب على عصاتين صغيرتين تحتمها رجل مسن لم أشاهد ملامحه..وبعض الرجال يقومون برشّ الماء على وجهه، ويهزّونه بقوة ، ويقولون له: إتشّهد .. انتبهت ليحيى يقف فوق رأس الرجل الممدّد..سألته: أنا- مين هاظ يا يحيى ؟ يحيى- هاظ أبوي ؟ أنا- ابو يحيى ، خير ، سلامته؟ يحيى- بدّه يعمل حاله شاطر ، صنعة أصحاب البكمات، اشترى بكم بطيخ براتب الشهر..وصار ينادي ويتحدّى ، عالسكين يا بطيخ، طلع كل بطيخه ابيض..

أنا- وبعدين ؟ يحيى – زعل..ارتفع معه السكري..غيّب..وزي ما أنت شايف هاظ هو مرمي..

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى