توجان فيصل … حزينة على حال بعض السعوديات

سواليف – رصد

تحت عنوان “عن الاستدارة السعودية”، كتبت الناشطة الاردنية توجان فيصل في موقع الجزيرة نت حول القرار السعودي الاخير بالسماح للمرأة بقيادة السياراة .
وأبدت توجان فيصل حزن شاب فرحها بعذا القرار على بعض النساء السعوديات ممن لن يستطعن تعلم القيادة الآن، أو ألا تكون قيادتهن سليمة بحيث يُطمئن عليها. وقد تكون بينهن مصرّات على تعلم القيادة مهما كانت المجازفة، ليعرفن معنى أن يتحرك الإنسان بحرية بدل أن ينتظر لزاما -وليس مصادفة أو استثناء- أن يقوم أحد بنقله وكأنه متاع.
وتاليا نص المقال كاملا
احتفل كُثرٌ وسعدوا بخبر السماح للمرأة السعودية بقيادة السيارة ، ولكنني كنت من تلك القلة التي شاب فرحَها حزنٌ؛ فقد تذكرت متعة قيادتي لسيارتي وحيدة لأول مرة في بواكير صباي. كانت شيئا كتحليق فرخ الطير لأول مرة.. وأمه قلقة حتما عليه، ولكنها لا تصادر حقه في الحرية، بل هي تدربه وتشجعه وتبدي ثقة به.

حزنت لأن أول ما تخيلته كان حال نساء سعوديات من جيلي وأكبر، أي من يغلب أنهن لن يستطعن تعلم القيادة الآن، أو ألا تكون قيادتهن سليمة بحيث يُطمئن عليها. وقد تكون بينهن مصرّات على تعلم القيادة مهما كانت المجازفة، ليعرفن معنى أن يتحرك الإنسان بحرية بدل أن ينتظر لزاما -وليس مصادفة أو استثناء- أن يقوم أحد بنقله وكأنه متاع.

أو إن كانت المرأة -المتعبة من صراعات غير مجدية في طلب حقوق بسيطة كهذه- ستكتفي بإعطاء السيارة لابنتها أو لكنّتها، كما في سكتش “المخمل الأزرق” الذي كان من أجمل ما غنته المطربة الكبيرة صباح.

والسكتش يروي قصة شابة قروية أحبت مزارعا فقيرا وتزوجته، ووعدها بتحقيق حلمها بفستان من المخمل الأزرق عند أول موسم زراعي ناجح. وتمضي عقود قبل أن يأتي موسم الخصب، فيسارع المزارع لإحضار قماش المخمل الأزرق لزوجته.. ولكن بعد أن شاخت. ولذلك تطلب منه أن يأخذ القماش إلى زوجة ابنهما كي تفصّله ثوبا ترتديه وتمر به على “حماتها”، كيما تشاهد الأخيرة ما تبقى من حلم شبابها المتواضع!

تأخُّر تحقق حلم المخمل الأزرق يعود إلى عوامل الطبيعة وفقر المزارع، ولكن مواسم السعودية كانت وفيرة كما لم تكن في أية بقعة من العالم. وكثير من الرجال -إن لم تكن غالبيتهم الساحقة- حققوا بها أحلاما لم تمر بخيال قارون. فيما غالبية النساء السعوديات من الأجيال التي “هرمت” في انتظار انفراج كهذا ولو كان نسبيا، لم يملكن ابتداء حق الحلم في ظل سطوة مفتين وشيوخ متزمتين، المرأة تكاد تكون مصدر فتنة وصنوا لإبليس في نظرهم.

وكثير منهن حُرِمهن -بسبب تزمت اجتماعي يفوق ما في محيطهن العربي- من أحلام عديدة كبيرة وصغيرة في مجالات التعلم والعمل وتطوير قدراتهن وتنمية مواهبهن، أو في زواج يجدن فيه “المحبة والوعد النقي” الذي يبقى في آخر العمر لمن فاتها المخمل الأزرق.

المراجع التي اعتمدت في ما يسمى أحكاما شرعية تستند إلى تفاسير وآراء من يسمون “فقهاء” شريعة متناثرين على امتداد قرون تفصلهم عنّا، كما تفصلهم عن بعضهم البعض وعن فترة التنزيل وعهود الصحابة والخلفاء الراشدين.

وإذا استثنينا نص القرآن الكريم، فإن ما تم تدقيقه -لاعتماده من الحديث النبوي وأيضا من الأحداث المواكبة لفترة التنزيل وللأحاديث وما تلاها- كان جلّه روايات شفوية، دُققت واعتُمدت حين كانت معايير البحث العلمي وأدواته غير متوافرة وممتحَنة كما الآن، بدءا بذات الكتابة (أي التدوين لتلك الروايات والأحاديث زمن حدوثها).

والأحوال السياسية في العصور التي عاش فيها هؤلاء “الفقهاء” -وكذلك الانحيازات السياسية والفكرية لبعضهم أو الضغوط عليهم، بل وتصارع شخوص مدارس “الفقه” تلك- كان له أثر على مجمل فقه هؤلاء.

والأخطر هو تجميد المؤسسات الدينية اللاحقة والقائمة لحينه ما يمكن تسميته “أذونات” للفقه ومدارسه عند فترات، بعضها أنتج فقهاء متطرفين ويقع ضمن ما أسمي “عصر الانحطاط”. وقد يكون هؤلاء وظّفوا فقههم وفتاويهم للدفع لما اعتبروه تثويرا يعيد عصورا إسلامية ذهبية، بالعودة إلى ما يعتقدون أنه الإسلام الصحيح.

وكل هذا ليس كشفا أزعمه لنفسي، بل هو مما بدأ الحديث عنه مكثفا من قبل باحثين مختصين مؤخرا. خاصة مع ظهور حركات تتبنى أو تنتج نسخا “فقهية” غاية في التطرف -بل والإرهاب- كتنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، أيضا بظن أو زعم أن هذا هو الإسلام الصحيح.

والذي كان يحيرني أن السعودية كانت -وما زالت- متشددة لجهة طلب مَحرم يرافق حتى المرأة الذاهبة إلى الحج، حيث توجد ترتيبات للحجاج بإشراف الدولة في ما يعني النقل وأماكن الإقامة وأداء الطقوس، وهي كلها أمور علنية تتم وسط جموع غفيرة، وليس فيها مجال لأية خلوة مع غريب. بعكس توظيف السائق الذي هو ليس مَحرما والسيارة مكان مغلق. وحتى إن كان السائق موضع ثقة، فالأولى بتلك الثقة المرأة التي تقود السيارة ويمكنها قفل بابها أثناء القيادة كما نفعل كلنا بداهة.

ولكن ما استوقفني وزاد حيرتي هو أن إصدارات هيئة كبار العلماء في السعودية، كانت ثابتة لجهة ما تحرّمه وبشدة. والتحريم “الشرعي” بحد ذاته أمر قاطع، وليس كالمنع القانوني لأمر قابل للاستئناف والتمييز، أو حتى تغيير القانون بسهولة أكثر. ثم فجأة تحولت إلى عكس ما كانت تفتي به فأجازت أمورا عدة، ليس أكثرها إثارة للدهشة والتساؤل فتوى جواز قيادة المرأة للسيارة.

بل إن ما أثار الضجة حول هذا الموضوع هو التذكير بوجود المنع الذي لا يُفهم كيف استمر إلى يومنا هذا؛ فلحينه وبعد مضي قرن ونصف قرن على اختراع السيارة، ظل تحريم قيادة المرأة للسيارة يُبنى على فقه وتفاسير ذات “المرجعيات” التي تعدادها على مدى أكثر من أربعة عشر قرنا قد لا يتعدى أصابع اليدين.

فما الذي تغير ليتغير الحكم “الشرعي” والفتوى الدينية.. ولو بتغير الأزمان لكون تغيرها بشأن ضرورة كالسيارة جرى منذ عقود؟! لا تغير في أي شأن ذي علاقة بكامل ما ظل يقدم كسند لأية فتوى، بما فيها فتوى تحريم السواقة على نصف الشعب، هو إذن الحاجة السياسية وبالذات في شأن صورة البلاد الدولية.

ولكن الحاجة السياسية الملحة الآن حقيقة -لتحاشي ظهور المزيد من القوانين الفاعلة دوليا والمرتبة لتبعات عديدة وكُلَفٍ ضخمة كقانون “جاستا”- هي وضع صيغة قانونية (كالدستور) ليكون إعلانا لموقف الدولة أمام شعبها وأمام العالم لجهة ما تمثله وما تضمنه، بل وسندا للنظام ليقول للمطامع الغربية “عذرا فدستوري لا يسمح”.

وذلك بدل تكرار مقولة “تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية” (التي باتت مبهمة أكثر من أي وقت مضى، وتثير شكوكا ومخاوف دولية حيثما ظهرت أو تكررت، أو تشجع على زعم تلك الشكوك والمخاوف)، وتقديم هيئة علماء دينية مما لا يعني العالم الخارجي، ولا يُعتدّ به في العلاقات الدولية وقضايا حقوق الإنسان، خاصة بعد الاستدارة الكاملة التي قامت بها الهيئة لجهة قيادة المرأة للسيارة.

وهناك استدارات تجري خارج الهيئة في أكثر من شأن كان يُعتبر “تابو” كحفلات الغناء بحضور نسوي، فيما الجمود يتعزّز في غيرها، مما يصعب معه معرفةُ أيةِ جهةٍ خارجيةٍ أين يجب عليها أن تقف مما يجري. والأمر أهم بالنسبة للجهات الداخلية التي قد تتعدد -بل وتتناقض- رغباتها في التغيير، وبشكل خاص لوجهة ذلك التغيير، بحيث تجد الدولة نفسها أمام مطالب شعبية متناقضة كلها ستدفع بقوة لتثبيت بصمتها على خريطة التغيير المعلن رسميا أنها قادمة.

العالم هلّل لقرار السماح للمرأة بقيادة السيارة، وقد يهلل لظهور قانون “المخمل الأزرق” لطلب تعويضات، وهو أمر قد يلزم لإبقاء ثروة السعودية في يد أبنائها وبناتها. فما يريده الأصدقاء الجدد -وفي مقدمتهم أميركا وإسرائيل وتليهم بريطانيا التي لم تغادر، بل استقرّت في أسرّتنا مرتدية ثوب “جدة ليلى”- ليس تطور وتحديث دولنا وأنظمتنا.

بل إنهم يريدون شفط ثرواتنا بدءاً بتمويل استثمارات ما يسمونه “التخطيط أو العقل اليهودي” الذي يقبع خلف اتفاقيات السلام المزعوم بين العرب وإسرائيل، وتبدت صراحة ومفصّلة في مشاريع شمعون بيريز، وصولا إلى تعويضات ستُفتح عن غزوات بني قينقاع والنضير وقريظة وخيبر. وللتأكد، اقرؤوا آخر ما قاله رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو للمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. سيدتي الفاضله توجان فيصل يا درة برلماننا في ما مضي من سنين ما اروعك عندما تمتشقين قلمك وتبوحين بمكنونات صدرك الذي لايحتمل الا الصدق ما اجمل ما تكتبين….كم انت صادقه ومخلصه ونقيه كم نشتاق لك ولايامك الجميله انت لا تدركين كم نحبك ونتمنى ان نراكي تزينين ايامنا بحضورك ايتها الوفيه.

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى