زمن الكورونا

زمن الكورونا
د. هاشم غرايبه

تحدثت الأنباء عن خيبة أمل صربيا من عدم مساعدة الدول الأوروبية لها في قضية الكورونا، واستغلال الصين وروسيا لذلك، فقدمت لها بعض المساعدات، لكن قليلين فطنوا الى مبررات هذا (العشم) للدولة الصربية على الأوروبيين، رغم أن هذه الحالة الطارئة جعلت كل دولة تنغلق في قوقعتها، وتقلع شوكها بيدها.
لفهم خلفيات الموقف الصربي، يجب أن نستعيد لمحة خاطفه من تاريخ أوروبا الحديث.
يقول علماء التاريخ أن الشعوب الأوروبية الحالية ليست متصلة بالأسلاف القدامى الذين وجدت آثار لهم تعود الى ما بين 15 – 25 ألف سنة، بل هم ممن نزحوا من العالم القديم، من نسل الجنس البشري الجديد بعد طوفان نوح، من القاطنين في آسيا الصغرى وشرق وشمال المتوسط، بدليل أن أصل كلمة (أوروبا) في الأساطير الأغريقية أصلها فينيقي (إيرب) وهي مسمى لأميرة جميلة من (صور) أحبها (زيوس) فأطلق إسمها غلى مملكته، كما أن الحضارات الأولى فيها لم تظهر قبل القرن الثالث قبل الميلاد، وكانت متأثرة بحضارات بلاد الرافدين وبلاد النيل.
على الرغم من أن القارة الأوروبية تتمتع بطبيعة خلابة وتمتاز على القارات الست بـانها الوحيدة التي تخلو من الصحارى، علاوة على كثرة أمطارها وخصوبة تربتها، إلا أن أهلها كانوا أكثر البشر تقاتلا وأشرسهم في النيل من بعضهم، فظلت كل أمة تحاول الصعود على أكتاف الأمم الأخرى منذ فجر التاريخ، ولما ضاقت القارة على سعتها بأطماعهم، توجهوا الى الشرق، فاستولى الإغريق و من بعدهم الرومان على ما يعرف الآن بتركيا، فيما ظلت المنطقة العربية تحت السيطرة التبادلية عليها مع الفرس.
كان ظهور الإسلام ونشوء الدولة الإسلامية قاصما لآمالهم التوسعية، فكانت كل أمة تدخل الإسلام تنجو منهم، فخرجوا من تركيا وعادت جيوشهم الى ما وراء الحدود الطبيعية للقارة، بل وانضمت أجزاء منها الى الدولة الإسلامية كالأندلس في العهد الأموي، كما لحقت بها دول البلقان في العهد العثماني.
من ذلك يمكن تفسيرالعداء الأوروبي للدولة الإسلامية، كما يفسر كرههم بالدولة العثمانية، التي ما تمكنوا من القضاء عليها إلا بخديعة التحرر العربي، وإصرارهم على رفض قبول تركيا العلمانية في الإتحاد الأوروبي، وكيدهم بالدولة التركية الجديدة ذات التوجهات الإسلامية.
هكذا لم تتفق الأمم الأوروبية على شيء أكثر من اتفاقها على منع عودة الدولة الإسلامية مرة أخرى، فكانت تقسيمة (سايكس- بيكو) أول تطبيق عملي لهذا التوافق.
على أن إدامة هذا التمزيق غير مضمونة إلا بخطة طويلة المدى لمنع أية محاولة لتوحيد هذه الأقطار، ولما كانوا يعلمون أن السر الأساسي في نشوء هذه الدولة هو الإسلام، وهو الذي صهر القوميات وجمع القلوب المتخاصمة، لذلك شجعت الأنظمة الحاكمة بأمرهم كل الأفكار الوضعية البديلة، وحظرت أية تجمعات على أساس عقدي إسلامي.
أوروبيا تكونت عقيدة جمعية لدى الشعوب حواجز نفسية، شكلت رأيا معاديا، كان حصيلة تعبئة إعلامية منظمة عبر القرون ضد الإسلام لمنع انتشاره بينهم.
فبعدما تخلصوا من الإسلام في اسبانيا، كان همهم خط الدفاع الشرقي وهو دول البلقان، التي أصبحت بعض شعوبها مسلمة كألبانيا وكوسوفو والبوسنة، وظلت هذه مكروهة يتمنون التخلص منها.
هنا جاء دور الصرب عند تفكك الدولة اليوغسلافية، بمثابة المخلب الذي انقض على مسلمي البلقان، فبان حقدهم الذي أسفر عن مذابح تستر عليها الأوروبيون، فيما هم يستنكرونها إعلاميا، لكن غطوا عليها بتدخل دولي ساهم في إنجاز الكثير، كما حدث في مجزرة “سريبرنيتشا”، ثم أقفلوا الملف بأسناد كل الجرائم الى شخصين فقط ككبشي، فداء وانتهى الأمر.
لذلك يشعر الصربيون بأنهم خذلوا، ولم ينالوا ما كانوا يأملون به من الشكر والتقدير جراء هذه الخدمة الجليلة، وكانوا يأملون أن يبقوا طفلا مدللا عند الغرب ينال كل ما يطلب.
هكذا شاء الله لقصة الكورونا أن تكون ريحا عاصفة كاشفة لكثير من العورات الشنيعة التي كانت الدول الأوروبية تخفيها عن الأعين، بأردية الحضارة والتقدم والتنوير، فظهرت حقيقتها عارية، وبات جوهرها جليا للعيان.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى