عودة أفرودايت … / هبة إميل العكشة

عودة أفرودايت …
كنت قد عاهدتُ نفسي أن أقاطع الأخبار، ومواقع التواصل الاجتماعي، وأي مصدر “لسمّة البدن”. لكن بين الفينة والأخرى تصلني “طراطيش” أخبار، وذلك لأنني وإن استطعتُ عزل نفسي عن مصدر الخبر، فلن أستطيع أن أعزل نفسي عن الناس. عائلتي وأصدقائي وزملائي في العمل هم مصادر متنقلة للخبر؛ يتناقشون في الأخبار المثيرة للجدل على مسمعي، ويشاركونني أحياناً المواضيع الرائجة على مواقع التواصل الاجتماعي. ومن الواضح، أن لا شيء على ما يرام، وأننا في طريقنا إلى الهاوية، اقتصادياً وسياسياً ونفسياً وبيئياً وأخلاقياً. وإنني وإن كنت لا أقرأ الأخبار على الورق والشاشات، فإنني أقرأها في عيون أبناء الوطن.
اليوم بالذات كان غريباً ومليئاً بطراطيش الأخبار المزعجة؛ ففي العمل جرى حديث عن قصص فساد بعض موظفي المؤسسات الحكومية، والرشاوى، وتطفيش المستثمرين، وارتفاع الأسعار. أنهت إحدى زميلاتي الحديث قائلة “كلشي غالي بهالبلد إلا الإنسان!”. أعود بعدها إلى البيت، تحدّثني أمي عن رجل قابلتْه هي وأبي في عيادة طبيب خاصة وحدّثهما عن المستشفيات الحكومية أو “المسالخ”، بحسب تعبيره، التي فشلت في تشخيصه سابقاً، و تلك التي طلبت منه انتظار دوره في العناية المركزة، قائلين “استنى يطلع مريض أو يموت مريض”. أحاولُ أن أُكمِلَ تناول غدائي الذي اختفى طعمه، تقول أمي “ما عرفتي؟ أمانة عمّان كرّموا حليمة بولند وأنابيلا هلال والشهداء لسا العزا تبعهم مفتوح!”. أسألها عن مناسبة التكريم فتقول: عيد ميلاد الملك وعيد جلوسه على العرش. وتساءلتُ ما هو الرابط العجيب بين هاتين المناسبتين وبين حليمة بولند مثلاً التي لم أقرأ اسمها يوماً في الأخبار إلا مرفقاً بكلمة “فضيحة”! لا يهمّني الآن من موّل التكريم ومن قدّم التكريم، ما يهمني أولاً هو اللامبالاة بمشاعر الناس والبلد في حالة حزن وانكسار، وثانياً هو تكريم من لا يستحق التكريم. وما زاد الطين بلّة أنه عندما استنفر الناس من هذا “التكريم” خرج منظّم الحفل في فيديو مع حليمة بولند يصف فيه المنتقدين، أبناء بلده، بأنهم “زبالة” و “خليهم يخبطوا راسهم بالحيط”!!
جلستُ على الأريكة كالتائهة، أحاول أن أستلّذ بكوب القهوة، الأمل الوحيد في تحسين مزاجي. جلس أبي يشاهد شاشة التلفزيون الأردني، وهذه المرة بقيتُ جالسة، “مهي خربانة خربانة” أقول لنفسي. وهنا لفتَ انتباهي تقرير للزميل زياد الطويسي “عودة التمثال أفرودايت إلى موطنه الأصيل … البتراء… وذلك بعد عملية ترميم أُجريَتْ في مدينة عمّان” … كان ذلك الخبر بمثابة نسمة لطّفت الأجواء. وإن كنت لا أهتمّ بالآثار، إلا أنه من قلّة الأخبار السعيدة وجدتُ في هذا الخبر نوعاً من البهجة. وسألتُ نفسي … متى يعودُ وطننا الأصيل إلينا؟ من يعيدُ الجمال إلى نفوسنا؟ ومن يرمّم قلوبنا المكسورة؟ وهل سنكرّم يوماً أدبائنا وعلمائنا وإعلاميينا وفنانينا ونصنع لهم تماثيلاً؟ هنيئاً لتمثال أفرودايت، وكان الله في عوننا.

hebaakasheh07@gmail.com

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى