” فيقني عليك” / أروى الزعبي

” فيقني عليك”

في كل مرة سمعتُ فيها فيروز تغني أيلول تسائلتُ في نفسي ترى لماذا كان الحزنُ عنواناً عريضاً لأغنيتها عن هذا الشهر، ولكنني كل ما جاء أيلول أدركتُ أن كل الاشياء الجميلة تنتهي فيه، ففيه تختفي ضحكات الأطفال من الشارع، تغلق النوافذُ بإحكام وتطفىء أنوار المنازل بعد التاسعة فلا تسمع صوت أحد، يعود الكل إلى صمته الذي كان، يلملم المغتربون آخر لحظات فرحهم يخبئون فيها كل شيء ويرحلون.

في أيلول أتذكر جمال العمر والفرح الذي اختبئ خلف جدار الغياب لصيفٍ آخر، أراقب أوراقه الصفراء المتساقطة على عتبات الطرقات منسيةً تطير مع كل نسمة باردة، أطارد كل غيمةٍ وحيدة لربما انضمت الى شقيقاتها فشكلت سماءً من قطنٍ تروي بها عطشي وتبعد بها عن ناظري كل قلقٍ يعيش بداخلي، فيزهرُ الربيع من جديد،

في أيلول يتكاثف ندى الفجر على زجاج نوافذ السيارات المنطلفة باكراً للغربة كما يتكاثف غيم الحزن في أعينُ من يركبونها، تسيرُ على استحياءٍ فبوصلةُ من فيها ليست تتجه إلا الى وطنهم، ويتبادر الصمت إلى ساحات البيوت تخلو من أصحابها ومن كل شيء فيها إلا من ذكرياتهم، ويصبح الوقت ثقيلاً وأقل عبوراً لعواصم الفرح مشغولا بالانتظار في كل دقيقة.

مقالات ذات صلة

في ليل أيلول أسمع أنين أرجوحةٍ وهي تراقص نسمة هواءٍ عابرة بعد ان نسيها زوراها، وأرى الدمى غافيةٍ بعد أن هدها تعبُ اللعبِ في أشهرٍ مضت، ولا أعود أسمع صوت التلفاز فقد نام الأطفال باكراً في أول السهرة، وعاد فنجان القهوة غريباً على بلكونة المساء.
كل ما جاء أيلول أدركت القشعريرة قلبي مع كل هبة ريح، كل ما جاء أيلول انتظرت أن يغسل المطر روحي المتعبة أن تربت حبات المطر على كتفي علّ شعور الوحدة يختفي، كل ما جاء أيلول تذكرتك و”فيقني عليك” وأدركت أن “روزنامة” العمر تمر من دونك يا من يشبه عينيك كل ليالي أيلول.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى