راعينا شوي خيوه
العم أبو سلطان صاحب البقالة الوحيدة في حينا القديم والتي لا زالت تتخذ الطابع التراثي . فالسلم الخشبي الملتوي المركون في إحدى زوايا الدكان , ومعلبات السردين والبولوبيف مرتبة بأشكال هرمية على أحد الرفوف بالإضافة للعديد من المواد ومستلزمات البيت والأسرة .
العم أبو سلطان محبوب من الجميع لرحابة صدره وروحه المرحة مع الصغار قبل الكبار , لذلك أحببت الجلوس معه وقضاء بعض الوقت للتحدث معه عن أيام زمان وذكرياتها . وبينما كُنا نتبادل أطراف الحديث دخل زبون لشراء بعض المواد , وعند الدفع قال لأبو سلطان : راعينا شوي خيوه , ترى احنا قرايب . تبسم أبو سلطان وقال له : من وين لوين المِقرب خيوه ؟ ليجيبه الزبون : بي طرف مِقرب بين أبوي واخوالك . عندها قهقه أبو سلطان وأنا تبسمت ابتسامة كادت أن تصل لدرجة الضحك لولا خوفي من الزبون بأن يفهمها خطأ . وضع أبو سلطان أغراض الزبون داخل كيس من الورق , وبعد ذلك قام بعملية جمع قيمة الأغراض باسلوبه البسيط , حيث يضع قلم الكوبيا على مقدمة لسانه ومن ثم يكتب المجموع على نفس الكيس وهو يقول : ثث نيرات وربع , وهاي يا سيدي خصمنالك ربع نيرة مشان اخوالي ما يزعلوا عليّ , مليح هيتش ؟ تناول الزبون الكيس وقال : مليح ونص وكثّر الله خيرك عمي أبو سلطان .
عدنا لنتابع جلستنا وفوراً سألت العم أبو سلطان : هل صحيح ما قاله الزبون عن القرابة بينك وبينه ؟ فأجابني قائلاً : والله يا أستاذ ما بدري بس الزلمة باينه عباب الله ودرويش وحبيت أجبر خاطره بهالربع نيرة , والرزاق هو الله . فقلت له : بجوز مربحك بالأغراض يا الله يطلع الربع دينار اللي خصمته للزلمة . فقال لي : يا أستاذ المركب اللي ما فيه لله بغرق , وربك كريم ما بنسى حدا من مخاليقه .
فعلاً المجالس مدارس , والجلوس مع الكبار مكسب ومغنم . بالنسبة لي تعلمت من العم أبو سلطان درس مجاني شامل في الأخلاق , الدين , السياسة , الدبلوماسية وعلم الإجتماع .
