كورونا تضرب من جديد

كورونا تضرب من جديد.. وحكومة “البانكرز” أكبر المستفيدين..
عبد الله سمارة الزعبي
لا يخفى على متابع للشأن الأردني الإنحدار المفاجئ بمستوى الإجراءات الحكومية المتبعة إزاء فيروس كورونا المستجد تبعًا للأعداد المطردة انخفاضًا منذ نحو أسبوعين والتي كانت معدومة في الأيام الثمانية الأخيرة على مستوى المملكة..
ولعلنا نتصور المشهد ووزير الحكومة الناطق الرسمي باسمها خارج وهو مفعم بزهو الإنتصار الموهوم ليعلن تخفيف الإجراءات بشكل كبير، وإلزام المواطنين والمقيمين بإرتداء “الكمامات” وترتيب العقوبات على كل مخالف..
ثم يليه وزير الصحة الأنيق الجذاب، بمشهد دارمي باهت، ليتلو خطابًا عاطفيًا معتادًا يتم العبث فيه بمشاعر المشاهدين للوصول إلى الغاية المنشودة من هذه القرارات..
لا تخجل حكومة البانكرز -التي لم يعد سرًا أنها فُرضت على الأردن في مرحلة حساسة كادت أن تنقل البلد لحالة فوضى الله وحده يعلم مآلها- لا تخجل من أن تنتهز الحدث لتكييفه لكل ما من شأنه رفد جيوب أسيادهم، وأرباب نعمهم، من قوت المواطن، ولقمة عيشه..
تارة بالسطو على قوت الفقراء، من دعم الخبز، وأخرى باقتطاع العلاوات البسيطة التي زيدت مطلع العام على رواتب الفقراء أيضًا، وليس ختامًا بإلزام هؤلاء الفقراء بارتداء كمامات تصنع محليًا بسعر فاق خمسة أضعاف سعرها قبل الأزمة الراهنة..
العجيب في الأمر، أن ذات الحكومة لم تلزم الفقراء بإرتداء القفازات على أهميتها، لربما لأن هذه القفازات لا تصنع محليًا، ومن ثم فجيوب الطغمة الفاسدة لن تثري من وراءها بالشكل الأوفى، أو أنها بانتظار استيراد شحنات حصرية من تلك القفازات، ومن ثم إصدار أمر يقتضي إرتداءها..
كل هذا الذي تحدثنا عنه لا يعدو كونه أوراق متناثرة على جنبات طريق تمر منه حكومة البانكرز، التي لا هم، ولا هدف لها، إلا إرضاء جيوب البانكرز، من أرباب نعمتها..
ولعل الأمر الأهم في كل هذه المعادلة، هو المحافظة على تواجد الفيروس في الأردن، فأي شخص يملك أدنى مسكة عقل، يعي تمام الوعي، أن انتهاء الفيروس يعني بالضرورة خسارة جميع هؤلاء التجار، والنافذين، الذين ضاعفوا ثرواتهم جراء هذه الأزمة وذلك من وجوه متعددة، يكمن أبرزها بما يلي:
1. زيادة الإنفاق الإستهلاكي للمواطن الأردني جراء مكوثه في المنزل، وما يعني ذلك من ضرائب خاصة وضرائب مبيعات، وهلم جرًا..
2. زيادة المصروفات المتعلقة بالمنتجات الخاصة بالوقاية والتعقيم من فيروس كورونا المستجد، وهي التي تعود على شركات بعينها بالنفع والإثراء..
3. استغلال الحدث لتثبيت أسعار الكهرباء، رغم انخفاض أسعار المحروقات عالميًا إلى مستويات تقتضي تخفيض سعر الكهرباء إلى نصف التعرفة على أقل تقدير..
4. استغلال الحدث لتثبيت سعر اسطوانة الغاز كذلك الأمر، رغم أن سعرها العالمي أضحى يناهز الخمسة دنانير كما يؤكد مختصون بالشأن الإقتصادي..
5. عدم الوضوح والشفافية في أسعار المحروقات، ففي الوقت الذي انخفض فيه سعر برميل النفط إلى مستويات دون العشرين دولارًا، تبيع الحكومة الأردنيين الصفيحة الواحدة (20 لترًا) بذات السعر تقريبًا !
6. إقامات الطلاب العائدين من الخارج في الفنادق ذات النجوم الخمس، المعطلة أصلا، وغير القادرة على إشغال ذاتها في ظل إغلاق الحدود، وانهيار الموسم السياحي، بل إن بعضها تبين أنه لا يرقى لدرجة النجمة الثالثة، وتشغيل هذه الفنادق يعود بالنفع على أناس بعينهم..
7. الضرائب المفروضة على المواطنين جراء حجز مركباتهم، أو مخالفتهم لنظام “الفردي والزوجي”، وأجرة أماكن الحجز، والتي تعود بمجملها لمتنفذين، علمًا أن نحو نصف الأردنيين باتوا يملكون تصاريحًا تمكنهم من التنقل بسهولة، ومسألة التصاريح بحد ذاتها، استثمار مستقل !
**
أمس نكس الأردن بخبر اكتشاف نحو 30 حالة إصابة جديدة بفيروس كورونا المستجد مرة واحدة، ولعل أبرز ما يغيب عن أذهان الناس، أن هذه الحالات لم تنتج في يوم واحد، بل هي حالات كانت موجودة في أيام “الأصفار” الحكومية، ولكن الإهمال الحكومي كان سببًا في عدم اكتشافها..
وكما تعودنا منذ الحالة الأولى لفيروس كورونا، فالمواطن هو المتهم الوحيد، والمدان الأوحد، في هذه القضية، وسوء وعيه، وإهماله، وتقصيره، وعدم تحمله للمسؤولية هي التي تتسبب في هذه الإنتكاسات..
في المقابل، فإن الحكومة التي لم تقم بحجره، أو لم تقم بمتابعته، أو لم تقم بإلزامه، هي المبرأة من كل سوء وذنب..
دعونا نستذكر بعض الحالات معًا:
أولا: حالة “صبحي” ووالده: حينها خرج وزيري الصحة والإعلام في مؤتمر صباحي مفاجئ ليقولا للناس أن والد “صبحي” كان حالة الوفاة الأولى بكورونا في المملكة وذلك بعد أسابيع من الحالة، ولكن لم يتم الإعلان عنها لأن الرجل كان يعاني من قصور كلوي !
وأن “صبحي” تلقى العزاء بوالده، وعاد إلى عمله، ولم يرغب بنقل زوجته المصابة إلى الحجر الصحي، لأنها تعاني من ضعف في البصر، وطلبنا إليه الذهاب للحجر ولكنه لم يرغب، ولم نعلن عن الحالة، ونحذر مجاوريه، لأنه لم يرغب بذلك أيضًا !
هكذا بكل صفاقة، يحاولون أن يحملوا المسؤولية لصبحي، وكأن قانون الدفاع جاء فقط لإصدار أوامر بإرتداء الكمامات !
ثانيًا: حالة الطبيب الرمثاوي: في هذه الحالة كانت كلمات وزيري الإعلام والصحة تحرضان بشكل مباشر على الطبيب، وتظهران أنه تحايل عليهم لئلا يتم حجره، وفي الواقع فقد أثبت الطبيب حينها، أنه قام بتغيير مسار رحلته بناء على طلب الملكية الأردنية، لعدم توافر رحلات، وأنه إلتزم بالحجر المنزلي، لكن أهله لم يكونوا معنيين بهذا الحجر، فما ذنبه حينئذ؟!
ثالثًا: حالة سائق الشاحنة في إربد: هذه الحالة كانت في منتصف شهر نيسان تقريبًا، ويكفي فيها العودة لتصريحات مصورة لعضو لجنة الأوبئة الدكتور وائل الهياجنة في حينه، حيث حمل المسؤولية الكاملة للحكومة التي تضحك على الذقون من خلال كتابة تعهد على سائق شاحنة بالحجر المنزلي لمدة أربعة عشر يومًا رغم أنه سيعود من حيث أتى بعد ثلاثة أيام فقط !
ولن نتوقف عند حالات عرس إربد، فالجميع بات يعرف أن المتسببان الرئيسيان بها كانا في الخارج، ولم تطلب إليهما الحكومة أن يلتزما بحجر منزلي، ولم تكتب عليهم أي تعهدات كما زعمت في حينه..
أما حالة أمس في منطقة الخناصري، التابعة إداريًا لمحافظة المفرق، والملاصقة لمناطق محافظة إربد، فهي مشابهة لحالة سائق شاحنة إربد تمامًا، وقد حاولت الحكومة التملص عبر وزيريها كما جرت العادة، وأشاعت بين الناس أن السائق قد عمل “عزومة” لأقاربه، الأمر الذي نفته زوجته جملة وتفصيلا..
والطريف في الأمر، أن قضية سائحي الشاحنات بحد ذاتها مصدر دخل إضافي لهذه الحكومة، فكل دخول لسائق شاحنة عبر الحدود البرية يقتضي منه دفع مبلغ 50 دينارًا إضافيًا لقاء فحص سريع لفيروس كورونا، وعندما يكون الفحص سلبيًا، يتم إدخال السائق، ويطلب إليه البقاء في منزله لمدة أسبوعين، على الرغم من أن هذا الأمر شكلي جدًا، فهو سيعود لنقل البضائع بعد يومين أو ثلاثة أيام !
سائق الخناصري، لربما لم يلتزم بهذا الحجر، ومثله جُل السائقين، إن لم نقل كلهم، ولكن من المسؤول عن عدم إلتزام هؤلاء السائقين؟ أهو المواطن الذي تم تزييف وعيه كثيرًا بطرق شتى؟ أم هي الحكومة المخولة وفق قانون الدفاع باتخاذ جميع القوانين المطلوبة بالخصوص؟ أم هو الفحص الذي يعطيه النتيجة السلبية في دقائق، ومن ثم يضفي طمأنينة عليه وعلى محيطه؟!
**
ختامًا، رحيل الحكومة بات واجبًا وطنيًا، واليوم قبل غد، إلا إذا كان بقاء هذه الحكومة يندرج ضمن اتفاق حكومي نيابي لإطالة عمر كلا المجلسين..

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى