التاريخ الديني -8 / د . هاشم غرايبة

التاريخ الديني -8

هذا هو الجزء الثامن والأخير من سلسلة مقالات، ألقت إضاءات خاطفة على محطات من تاريخ الدين الذي أنزله الله على البشر، ابتداء بإبراهيم ثم أكملها ذريته من بعده: موسى وآخرون ثم عيسى، وانتهاء بمحمد عليهم جميعا صلوات الله وسلامه، وقد سمى إبراهيم من اتبعه مسلمين، وأوصى أبناءه أن يقيموا الدين (الإسلام) من بعده ولا يتفرقوا فيه، وحافظ كل ذريته ممن كرمهم الله بالنبوة على وصيته، والتزموا جميعا بهذا الدين.
وقد أكّد الله تعالى ذلك في كتابه العزيز، فقال: “مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلاَ نَصْرَانِيًّا وَلَكِن كَانَ حَنِيفًا مُّسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) “آل عمران:67(، وأخبر أن سحرة فرعون بعد إسلامهم دعوا الله تعالى فقالوا: “رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ” (الأعراف:126)، وأخبر أن نوحا عليه السلام قال في خطابه لقومه: “فَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَمَا سَأَلْتُكُم مِّنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى اللّهِ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ” (يونس:72)، وأخبرنا أن موسى عليه السلام قال في خطابه لبني إسرائيل: “وَقَالَ مُوسَى يَا قَوْمِ إِن كُنتُمْ آمَنتُم بِاللّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُواْ إِن كُنتُم مُّسْلِمِينَ” (يونس:84)، أما سليمان عليه السلام فقال في رسالته لسبأ:”إِنَّهُ مِن سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ* أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ” (النمل:30-31)، وقالت الملائكة في وصف آل لوط”: فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِّنَ الْمُسْلِمِينَ” (الذاريات:36)، وأخبر تعالى أن الحواريين أشهدوا عيسى على إسلامهم، فقال: “فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللّهِ آمَنَّا بِاللّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ”(آل عمران:52).
ومهما بحثنا في القرآن الكريم، لن نجد وصفا للدين إلا مرتبطا بالإسلام، وهذا أمر منطقي إذ لا يعقل أن ينزل الاله الواحد ديانتين أو أكثر، ثم يخيّر الناس باتباع ما يشاءون، لكننا نجد تأكيدا على أن الدين واحد “إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَم” ، وقوله تعالى:” وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ”.
هنا يبرز السؤال المهم: هل يعني ذلك بطلان عقيدة المؤمن غير المسلم وتكفيره؟
لا شك أن الله عندما أنزل الرسالات السابقة أراد أن يتّبعها الناس، ومن اتبعها وعمل بمقتضاها فهو مؤمن، لكن ومع نزول كل رسالة تالية، لم يكن هنالك إلغاء لما سبق بل تصديق به، وتطوير وتحديث للتشريعات متوائمة مع تطور العقل البشري، ومواكبة لازدياد معارفه وتوسع آفاقه.
لكن ما كان يحدث فعلا، أن نسبة كبيرة من المؤمنين، كانوا يرفضون الرسالة التالية، ويعود ذلك بشكل كبير إلى تكوّن طبقة من المستفيدين تحصلت على امتيازات تخشى فقدانها، فتحرض الناس ضد الرسالة الجديدة.
كان من المفترض عند نزول الرسالة الختامية أن يتبعها جميع المؤمنين من أتباع الرسالات السابقة، لكن الله عليم بنواقص النفس البشرية، فلم يأمر رسوله بإكراههم على ذلك، بل حثّهم:” وَقُل لِّلَّذِينَ أُوْتُواْ الْكِتَابَ وَالأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُواْ فَقَدِ اهْتَدَوا”، “وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُم” .
إذاً هم مؤمنون إن التزموا بهذه الشروط:” قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَىٰ كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللَّهِ ۚ “.

اظهر المزيد

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى