تساؤلاتٌ مُتجددة

تساؤلاتٌ مُتجددة

سالم محادين

المكان : مجمع سفريات الجنوب __ عمّان
الزمان : ليلة كانونية باردة جدًا
التوقيت : الخامسة مساءً
الوجهة المقصودة : الكرك

بعد المد والجزر المعتادين في انتظار امتلاء #الباص بالمغادرين من عاصمة الرفاهية ( كما نظن ذلك ) #عمان نحو #الكرك كمسقط رأسٍ يؤمه أبناؤه بعد إنجازِ مهمة ما أو حتى عدم إنجازها، وبعد النداءات المتكررة من سائق الباص وسماسرة الخط ( عالكرك خية ) ( كرك موتة جاي كرك موتة ) مؤتة هنا تحكى بدون همزة على الواو بالطبع، وبكسر التاء أيضًا، أقول بأن الرحلة تبدأ بعد هذا كله وربما بإيجارٍ أكبر من المقرر لعدم اكتمال العدد.

مقالات ذات صلة

( #جوري ) كانت يومها قد زادت من عبء #الرحلة في نفسي حين تركتها في منزل جدها الذي انتهيت للتو من واجب الوقوف مع أسرته في عزائه، إذ أصرت عليَّ بأن تأتي معي إلى الكرك فأخبرتها على مضض مني أيضًا أنني مضطر للذهاب إلى العمل بينما عليها البقاء هناك برفقة أمها وشقيقتها الصغرى ( هيا )، هيا التي يبدو أنها قد بدأت تنضج بالقدر الذي يؤهلها للأخذ بثأرها من صفعات جوري السابقة ( حين كانت الغيرة في أوجها).

( الكردور ) بين المقاعد ممتلئ عن آخره بالكثير من الحقائب والأكياس، بعضها فيه الشقاء وبعضها النقاء، بعضها يحمل تفاصيل كفاح ما، بعضها يضج بذكريات وحيثيات تدغدغ الفطرة البشرية عبر الوصول المُتقَن إلى أعمق معاني الإنسانية، قصص متعددة بأفكارٍ تصرخ في الداخل ولا يسمعها إلا حاملها، جَلَستُ على مقعدي المفضل ( الفردي الأول يمنةً بعد الباب ) وكنت أظن من شدة الإرهاق بأنني سأخلد إلى النوم وخاب ظني.

أحد الركاب شاب جميل أسمر يتضح لك فورًا من هندامه وجلسته بأنه عسكريٌ فذ، كان جالسًا على الجهة اليمنى من المقعد الزوجي المقابل للباب وعليه فهو تحت سيطرة نظراتي الباحثة عن معايشة لواقع الحال اللحظي، أمسك هاتفه وضغط على زر الاتصال وأبعده عن أذنه، بات ينظر إلى الشاشة بانتظار الاستجابة قبل أن يعيده إلى أذنه، خلال تلك الحركة لمحت اسم المُتَصَل به ( أمي الغالية )، تلك المشاهدة خطفتني أيضًا إلى العديد من الأعوام السابقة والتخيلات التي بإمكانها أن تعود بسهولة وباستمرار إلى كل من غابت عن شفتيه أيقونة مناداة ( يمه )، استدرت بجسدي عائدًا إلى النافذة هامسًا مع نفسي ( الله لا يحرمكوا من بعض ).

أمّا فيما يتعلق بالجانب الموسيقي الخاص بالرحلة فقد انقسم إلى عدة أجزاء، الأول كان بصوت المطرب الشعبي صلاح هليل ( انتي بعيني احلى بنية تضميني تنسيني الدنيا لمسة ايدك بلسم شافي مليانه لهفة وحنية، ننسى الماضي نعيش الحاضر فوق جناح الفرحة نسافر عصفورة وعصفور نغرد نتغازل حد الصبحية ) أما الجزء الثاني والذي ابتدأ من مشارف الصحراوي حتى المدينة الصناعية، فقد ألهب محمد عبده عبره أحاسيس الركاب ( من بقي منهم مستيقظًا ) بأغنية ( مرني عند الغروب ظبي خالي من العيوب )، ثم واحتفالًا بالوصول كانت كلمات عمر العبداللات ( ما نوطي عقالنا حنا كبارها، أرض الكرك ما يصونها الا أحرارها، ديرة تسكب للضيف بهارها، ومن يشرب منها ما يكسر جرارها ) فتداعى لخاطري أكثر من تساؤلٍ موجع: هل كركنا على ما يُرام؟ ثم كيف ومتى وماذا قدم أصحاب القرار من أبناء الكرك تحديدًا للكركيين حقًا؟ وبينما كنت غارقًا في أسى الإجابة وصلنا إلى المرج ( محطة نزولي ) فأصدَرتُ إيعازًا مزدوجًا للسائق ولعقلي : ( عندك لو سمحت )…

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى