شجاعة النقاش – (١) / عبد الفتاح طوقان

شجاعة النقاش – (١)

بداية مقال الملك عبد الله الثاني الذي حمل عنوان ” منصّات التواصل أم التناحر الاجتماعي؟ ”
نشرته الجرائد الأردنية في ٣٠ تشرين1 ٢٠١٨ وأعلنت عنه قبل نشره بأيام ضمن حملة ترويجية حمل جملة بداياتها ” أشجع النقاش حول اولوياتنا وقضايانا الوطنية “، وإذا كانت تلك البداية موفقة ولكن كنت اتمني مثل غيري ان ينتهي المقال عندها، وإذا كان المطلوب تشجيع النقاش فلا بد من “تحمل شجاعة الرد” من دون قيد او شرط مسبق ودون تلويح خفي بالتهديد والمحاسبة خصوصا وان الملك قال ” أتطلع الي قرأه الآراء والأفكار” وهي دعوة ملكية وآمر سامي للحوار وليس للاعتقال او مصادرة الفكر.

وابادر بالسؤال، ما هي الوسيلة الأردنية التي ستتحلى بالشجاعة التي تحدث عنها الملك وستنشر او تسمح بالاختلاف مع ما ورد في مقال الملك؟، خصوصا إذا كان رؤساء التحرير لا يجرؤون على نشر مقال بسيط – لا يمت للملك وآرائه- وينتظرون امر الافراج بالنشر من ضابط امن الاتصال مع الجريدة، فكيف ستصل الآراء الي الملك الا عبر وسائل التواصل التي تريد السلطة تحجيمها؟، تصنفها إيجابية وسلبية وبنأه و غير بنأّه؟ فهل لدي السلطة توضيح ماذا تقصد بذلك؟

لذا ارجو التروي ممن يتصيدون في الماء العكر ويلونون الأفكار ويبدلونها بفلسفة عرفية قمعية بعيده عن محتوي النقاش لأجل ان نخدم الوطن يدا بيد، يقرأها كل ممن يحمل عصا تكسير الافواه وكسر الأقلام، بإيجابية دون استخدام الغلاظة والهجوم من منصات تتبعها على كل من يبدي رأيا لا ينسجم مع طروحاتهم، أن يستفيدوا من الآراء ويحللون كل الردود وأن كانت بعضها قاسية ولكنها الغصة من الفساد لدي العباد الذين استعبدتهم السلطة ومصت دمائهم وصادرت ارزاقهم وركبت عل ظهورهم حكومات ضعيفة.

المقال بحاجة الي إعادة قراءته مع الردود عليه والتي نتجت عن مضامينه ومفردات في غير مكانها، فليس هكذا تورد الابل، رغم انه مهر بتوقيع الملك أي ان الملك يتحمل ما ورد به، فالأوضاع تغيرت و لم يعد بإمكان احد من اغلاق أي وسيلة إعلامية والتعدي علي أي حق، حتي لو جلب صاحب الرأي وسجن، او صودر جواز سفره في الحدود لمراجعة الامن، لان غيره الاف مؤلفة كون القضية ليست فردية او شخصية انما هي قضية وطن علي حافة الهاوية و الانفجار، سلب وسرق و نهب في وضح النهار ولا حلول او متابعة ، فقط مجرد تصريحات مخدرة من السلطة و تدوير وزراء غير مؤهلين و تبديل رؤساء حكومات دون ادني تعديل في النهج، و تعدي علي حق أصحاب الأرض الحقيقيين من العشائر الأردنية ، و غيرها.

أن في حادثة الصحفي جمال خاشقجي درسا للجميع، بغض النظر عن تسييسها من قبل بعض الدول المنتفعة الباحثة عن موقف ضد المملكة العربية السعودية، لهي دليل واضح ان العالم مجتمعا يبعد ثوان عن قرار أي حاكم وله بالمرصاد، قادر علي الضغط والتغيير بوسائل التواصل الاجتماعي والقنوات المفتوحة عبر البحار.

نرى أن المشكلة في الأردن ليست فقط عدم وجود قانون يضمن حق حرية التعبير بل وجود قوانين تمس وتقيد حرية التعبير، وسعي أكبر نحو فرض سلطة الحكومة على الشعب من خلال قانون الجرائم الإلكترونية وقانون عدم الحديث في مواضيع محددة منها القوات المسلحة وممارسات الحكم علي سبيل المثال، وأيضا قامت الدولة العميقة بتعديل الدستور بإضافة ” تكفل الدولة حق التعبير” و” حسب القانون” وهذه” الكفالة” تقييد لا انفراج وتنفي الأساس وهو الحرية دون شروط. الكفالة غير ملزمة وفي العادة مشروطة فاذا انتفي الشرط انتفت النتيجة.

أن السلطة في الدول الديمقراطية والتي تسعي اليها الأردن ملزمة دستوريا بأن توفر بيئة تمكّن المواطن من ممارسة حقه الطبيعي في إبداء الرأي بكل أنواع الوسائل صحافة و تلفزيون ووسائل اتصال اجتماعي وهواتف و منشورات ومظاهرات وبريد الكتروني وانترنت وغيرها ، ولكن ما حدث -ولا زال يحدث- هو عكس ذلك تماما؛ حيث يدعي الملك من خلال مقالاته و تصريحاته و أوراقه النقاشية الي تشجيع الحريات و اطلاقه و الي النقاش والحوار ويتحدث عن انه يستمد معلوماته من وسائل التواصل ، و هذا شيء جيد ، بينما السلطة تستشيط غضبا ويضيق صدرها-على ما تنبئ به قوانينها التي تُفصل داخل أروقة امنية وتُفرض علي نواب المحمول ممن يتلقون التعليمات و تغدق عليهم الهدايا والمناصب و المغانم – يضيق رويدا رويدا إلى أن “تمارس الحكومة و أجهزتها التابعة حريتها في التناحر مع المواطن ” في الترهيب وتقويض حرية الرأي وتهديد الكتاب والمفكرين واغتيال شخصياتهم عبر جرائد تابعة لهم، تمنع حتي مشاركتهم في اللقاءات التي يدعي اليها الملك و بالتالي يغيب التواصل الذي يدعو له الملك.

لماذا كل هذا والجميع يدا واحدة هدفه الأوحد وطنا متميزا يتباهى به ويفخر امام العالم واعتقد جازما لا خلاف بين الملك و الشعب حول هذا الهدف، فلماذا توضع مفردات وضع التشريعات من جهة، ادخال “ضبط انتشار الاخبار المزيفة و المضللة، الاستخدام غير الراشد، الانخراط الإيجابي، المشاركة البناءة، الحقيقة والاشاعة، الذم و القدح و غيرها في الوقت يطالب الملك بحرية سقفها السماء بينما الاعلام مقصر و عليه تقع مسؤولية غياب المعلومة و التضليل الحكومي وتقوم السلطة بوضع سياج علي قنوات التعبير وتغلق منابعها وتأتي الممارسات الحكومية لتحمي الفساد، وتصدر قوانين حماية للوزراء في غياب النزاهة.

ان التاريخ الأردني شاهد علي الصراع المستمر بين وسائل الاعلام والسلطة الحاكمة من جهة وبين المواطن، يريدون التحكم به بشتى الطرق ومنع المعلومات منذ مصادرة الصحف والمجلات في الحدود في الستينيات الي مراقبة الايميلات والواتس اب في يومنا هذا وهو ما يتعارض مع الحريات الشخصية.

لقد دفع العديد ثمنا لآرائهم بينما تم شراء اراء اخرين والدفع بهم الي مناصب الوزارة. وبلا شك عندما يلوح بالحد من استخدام وسائل التواصل في القرن الواحد والعشرين فأنه امر صادم.

عادة ما تكون التكاليف اقل لتجنب الوقوع في المشاكل بدلا من دفع ثمن الخروج من المتاعب، وما يحدث حسبما كتب الملك هو نتيجة غياب دور وزارتي الثقافة والتربية والتعليم من البداية فتصبح وسائل التواصل في بعض من الاستخدامات السيئة انتهاكا للحريات ولكن لا يجب ان تكون سببا لأغلاقها ومحاسبة مستخدميها. على السلطة معالجة المرض لا الأعراض.

التوعية والتربية والارشاد منذ الصغر هي الأساس وليس تشريعات تأميم الحريات وشرعنه تقييده، فقد انتهت تلك المرحلة الي غير رجعة. ابسطها ان كل ما يمنع من الدخول و يتم التعتيم عليه من السهل تنزيله عبر نظام الاي كلاود او إدخاله عبر يو اس بي ، حافظة المعلومات، فنحن نعيش في عالم المعلومات الكبيرة ( بيج داتا ).

السلطة ان لم يكن لديها النزاهة فليس لديها شيئا، وإذا كانت الحكومات تبني على التبادل والمصلحة الشخصية وممارسات تحمي الفاسدين لا يمكن انجاز أي مهمة بل ستكون وقود مزيد من استخدام وسائل التواصل بكل الطرق ما لم تكن هناك قوانين حماية للمواطن قبل حماية أيا كان.

ان نظرة واحدة ومقارنة بين الحكومات المتعاقبة واين أوصلت البلاد وتحديد تكلفة الوزير لإنتاج الاستنباط والحلول والعمل الجاد ودراسة موثقة لجميع تكاليف إعادة انتاج واختيار الحكومات خلال العشرين عاما الماضية كفيلا بمنع خلط الرديء بالجيد ومشاركة إيجابية لمستقبل أفضل وسيفتح باب المعرفة نحو لماذا وصل الأردن الي تلك المرحلة من الانهيار السياسي والمالي وفي جزء منه انهيار أخلاقي في استخدام وسائل التواصل.

العالم تغير فأصبح الشراء من موقع امازون، والتواصل من خلال فيس بوك وواتس اب، والترفيه والتعلم من ابل، و المعلوماتية من جوجل في ثورة معرفية معلوماتية لا رئيس ديوان و لا مدير مخابرات قادر علي منعها او إيقاف تدفقها بمقال او حراك.

لم تعد اسرة الشخص زوجته وأبنائه فقط فقد سمحت أدوات التواصل بوجود امتداد لملايين البشر ان يكونوا اسرته اليومية التي تتبع معه افطاره وزفاف ابنته وسفره واعماله وضيق صدره ومرضه وحزنه وطلاقه ومشاكله الخ، لقد أصبح عنصرا فاعلا – دون فرصه تفكير او فترة تجريبية – منغمسا في عشيرة افتراضيه عددها مليارين يستخدمون الفيس بوك تصبغهم العالمية وتعكس هوية حديثة وتفتح الاعين على ما كان يوما من المحرمات السياسية، كلها كبسة زر وهو حي (لايف) مع ملايين البشر.

ايدولوجية ايهام الحاكم من قبل مستشاريه واغلاق عيناه ومسامعه عما يدور سقطت في عالم لا يمكن لاحد ان يسيطر عليه بعقل عرفي تنصهر فيه القيم الليبرالية الدائمة والملكية الفكرية، لذا على الأردن الانخراط مع العالم وان يكون لديه القدرة على وقف مد وجزر السلطة القمعية الداعية الي تقييد الحريات في عالم افتراضي جديد صبغته العالمية لا الهوية القطرية المحلية وإعادة تدوير أسطوانات مشروخة.

على من يكتب للملك خطاباته ان يضع مكانة الملك عالميا وان يأتي بالجديد المفيد، وأن يعلم أن ما ينشر يتم تداوله على منصات العالم وليس للداخل الذي تحول معظم طبقته المتوسطة الي فقيره بحجم دين فاق ٣٢ مليار، فلم يعد هناك خصوصية.

الملك طلب النقاش وشجع عليه في مقاله، ولكن مطلوب أن يصدر أوامره بالسماح بنشر الردود في الوسائل الأردنية الاعلامية، حفظ الله الأردن.

aftoukan@hotmail.com

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى