تجسير الهوة بين القطاع الصناعي والجامعات / د . عمار سليم الخوالده

تجسير الهوة بين القطاع الصناعي والجامعات

تعاني الدول غير المتقدمة ومنها الأردن من ضعف شديد في التعاون، إن لم تكن قطيعة تامة بين القطاعين الصناعي والاكاديمي لاسباب لا بد من بحثها وتسليط الضوء على اثارها السلبية ومحاولة الاستفادة من تجارب الأمم الاخرى ذات السعة والقدرة في هذا الميدان …والسؤال المطروح علينا جميعا هو كيف نجسر الهوة بين القطاعات الصناعية والحكومية المختلفة والقطاع الأكاديمي في جامعاتنا الممتدة على ثرى الاردن الطهور … والسؤال الادق ربما هو لماذا ترسخت تلك القطيعة إبتداء بين كل هذه القطاعات الوطنية وماذا يمكن عمله لخلق قنوات تعاون وتشابك فعالة ومستدامة تعود بالنفع العميم على اقتصادنا الوطني الذي يعاني من أسقام عدة تنخر عظامه و تستبد بجسده النحيل
دعوني اشارككم بعض تجارب الامم الأخرى والتي يمكن أن نسترشد بها دون أن نهمل خصوصية مجتمعنا وطبيعة موارده البشرية والمادية والادارية … لقد حظيت بالعمل في الولايات المتحدة الأمريكية على مدى الخمسة عشر عاما الفائته في مؤسسات وشركات عالمية كبرى كشركة بي ايه أس أف، وداو الكيماوية، وانتل، وتكساس إنسترمنتس، وجامعة رايس وجامعة تكساس أيه اند أم، والمعهد العالمي للطاقة وغيرها … ويمكنني بناء على تجربتي الشخصية أن الخص لكم بعض النقاط التي تتبادل من خلالها الجامعات والمؤسسات الصناعية (والحكومية) الخبرات والمنافع المشتركة
أولا: الدعم المالي المباشر من قبل الشركات لمشاريع بحثية ذات أهمية قصوى للصناعة تحتضنها الجامعات وتكون على نوعين، الأول موجه للعمل على تكنولوجيات مستقبلية (Exploratory Research) في المدى البعيد تمكن هذه الشركات من أخذ زمام السبق لاحتياجات الاسواق آنئذ، والثاني لايجاد حلول مستعجلة لمشاكل صناعية آنية لا ترغب الشركات باشغال كوادرها البحثية بها لاستغلال قدراتهم واوقاتهم بامور أكثر أهمية للشركة
ثانيا: الدعم غير المباشر من الشركات لبرامج أو فعاليات تعليمية محددة تسعى لتمكين قطاعات تحتاج إلى رعاية كذوي الاحتياجات الخاصة أو دعم المرأة أو الأقليات … ألخ وتسعى الشركات من خلال هذه البرامج إلى تحسين صورتها المجتمعية والاستفادة من الاعفاءات الضريبية التي تقدمها الحكومة للمانحين في حالات كهذه
ثالثا: عضوية لجان التوجيه (Steering Committees) للاقسام الأكاديمية في الجامعات بحيث يكون للشركة مقعد يمكنها من الاطلاع على مخرجات التعليم وبرامجة وتعطي تغذية راجعة للجامعات بطبيعة القدرات والمهارات التعليمية التي يحتاجها القطاع الصناعي
رابعا: مبادرة الجامعات إلى اقامة مراكز متخصصة في الأبحاث الصناعية التطبيقية (Applied Research Centers) تجذب من خلالها التمويل من الشركات التي تعمل بنفس القطاع وهذا دور مهم تقع فيه مسؤولية المبادرة على الجامعات نفسها
خامسا: منح كراسي الأستاذية (Chair Endowment) لاعضاء هيئة التدريس أو منح دراسية للطلبة (Scholarship Endowment) من الشركات وبأسمائها … تساعد مثل هذه المنح الجامعات بتخفيف النفقات التشغلية كما أنها تتيح للشركات أن تقرن اسمها بكراسي الأستاذية والتي تحظى باحترام وتقدير المجتمع والناس
سادسا: توفير الفرص التدريبية للطلبة في الشركات والمؤسسات المختلفة وبرواتب مجزية تتراوح لطلبة الهندسة مثلا بين 3000 إلى 5000 دولار شهريا … توفر مثل هذه البرامج التدريبية فرصة للشركات والمؤسسات لانتقاء أفضل الطلاب للتوظيف بعد أن تجربهم عمليا كما أنها تمنح الطلاب فرصا لاكتساب مهارات وخبرات عملية تزيد من فرص حصولهم على وظائف مستقبلية بعد التخرج
سابعا: إقامة فعاليات تدريبية لاعضاء هيئة التدريس من قبل الشركات لاكسابهم مهارات تتعلق بالبعد التطبيقي للمعرفة إذ أن كثيرا من اساتذة الجامعات لم يحظوا بفرص العمل في مؤسسات صناعية مما يضفي طابعا نظريا على محاضراتهم فتساهم مثل هذه الفعاليات التدريبية بتحسين قدرة الأستاذ الجامعي على ربط النظرية بالتطبيق … ففي الولايات المتحدة على سبيل المثال يقوم المعهد الأمريكي للمهندسين الكيماويين (American Institute of Chemical Engineers – AIChE) بالتواصل مع الشركات لتمويل واستضافة دورات تدريبية للاساتذة الجامعين في مجال هندسة سلامة العمليات الكيماوية الصناعية ولقد ساهمت شخصيا أكثر من مرة ومن خلال الشركة التي أعمل بها بتدريب أكثر من ثلاثين أستاذا جامعيا من مختلف الجامعات من خلال ورش سلامة العمليات الكيماوية حيث قمنا بالاضافة إلى المحاضرات باستضافة الاساتذه بجولات ميدانية للوحدات الصناعية التشغيلية ليروا بأم أعينهم كيف تدار مثل هذه العمليات المعقدة فينقلون بعض هذه الخبرات التي لا تحتويها الكتب إلى طلبتهم
هذا ملخص لنماذج حية في التعاون بين القطاعات الأكاديمية والصناعية يمكننا في الاردن الاسترشاد به لخلق تجاربنا الخاصة الناجحة لتعود على اقتصادنا الوطني بالنفع العميم … بقي أن أقول أن للحكومة دور مهم يتمثل بعضه في في منح حوافز واعفاءات ضريبية للشركات والمؤسسات التي تقيم برامج تعاون مع الجامعات … كما أنها تستطيع ومن خلال تأثيرها في الجامعات وخصوصا الحكومية أن تحث اداراتها على الخروج من أبراجها العاجية لتلمس احتياجات السوق وتوفير التسهيلات للشركات لتقيم برامج مشتركة دون تعقيدات بيروقراطية منفرة

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى