تأملّات .. / محمد فتحي المقداد

تأملّات .. الحاضر يعتبر خير شاهد على الماضي، إذ لا يمكن فَهْمُ طبيعة، ومُداخلات الحاضر، إلا إذا صار مستقبلًا، ويأتي حكم الحاضر على مُعْطيات, وتجليّات لم تكن ظاهرة وقتذاك، فتتفتح العيون على نضوج الرؤية، بمقارنات مشفوعة بتقاطع الأدلة.
ولا يمكن فهم الحاضر، والحكم عليه، إلاّ من خلال استقراء مساره في الماضي القريب و البعيد.
والحاضر هو المستقل في عيون الماضي، وله تُبذل المُهَج، وتراق على دروبه الدموع، و العواطف، والمشاعر، و تنساب المتاعب بكامل قُوّتها أملًا في الوصول للمستقبل.. المفروش بالورود.
حقيقة لا أدري، إذا أصابتني صدمة ظلام المستقبل المنشود في عينيّ ..!!، ما الذي يمكن أن أفعله؟.
– هل أنقلب عليه، وأنكفئ إلى قوقعتي ؟.
– أم أرجع للتّرحُم على الماضي، بكامل سلبياته؟.
الماضي مُعاش، و المستقبل أمنية.
سِمَةُ الحاضر في نفوس مُعَايشيه، كثرة التأفف، واللّعن، و السخط على الكثير من معطياته، وهناك أمنيات تحاول القفز من المركب للانتحار، ولمقاومة الحاضر، والانتقال للضفة الأخرى، التي هي بمثابة المستقبل، وهو بُغية يُراد الوصول إليها.
كذلك المستقبل، هو الشمعة، أو بصيص النّور، لمن يسلك النفق المظلم.
المستقبل كونٌ مليء بالأحلام المتجددة، الموغلة في غمارٍ مُتّسِعٍ، ربما تتجاوز حدود الكرة الأرضية، لتناطح الشمس، و القمر، ودرب التبّانة.
إذا كان المستقبل مجهولًا لنا، فهل يستحقّ منا كل التضحيات من أجله، وما نطلق عليه التفاؤل والأمل.. هما الدافعان الحقيقيان للسير الحثيث إليه.
هل للمستقبل أن ينمو، ويزدهر في النفوس، لولا الاعتقاد بأنه هو الأفضل و الأجمل.
كم يمتلك أحدنا من الحَيَوَاتِ حتي يبذلها للمستقبل..!!؟.
العيون تُركّز نظراتها إل الأفق البعيد، عندما تَمَلُّ من الحاضر.
الماضي يُلقي بأوشحة ظلاله القاتمة على الحاضر، مُحاولًا الإمساك به، وإرجاعه إليه، لتأخير انطلاقته.
إذا اعتمد الحاضر على رصيده من الماضي، مؤكدٌ أنه لن يتقدّم، إذا حاول نقل الماضي بكل حيثياته غير الملائمة لطبيعة المرحلة، بدل الاستفادة من دروس وعبر الماضي.
إذا كانت الألسنة تلهج بذكر الماضي: بأنه الزمن الجميل، يجب التأكد أولًا من أن المستقبل لن يقوم، ويعلو إلاّ بِأُنَاسه الذين يحملون معهم قِيَمَهُم النبيلة.
إذا كانت العواطف، هي الحكم و الفيْصل، وسبيل الوصول إلى المستقبل، حتمًا سيكون فاشلًا.
لا يمكن للحاضر، أن يكون بلا ماضٍ، ولا مستقبل.
إذا قذف الماضي بحجارته على المستقبل، فلن يكون للحاضر وجود.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى