ليس للمقارنة

ليس للمقارنة
د. هاشم غرايبه

نقلت الأخبار افتتاح أول رحلة تصدير من تركيا الى الصين عبر خط القطار الذي يربط الصين بأوروبا.
قد يعتقد البعض أن هنالك خطأ في الخبر، فالمعتاد أن المنتجات الصناعية تصدرها الصين إلينا ، ونحن لا نصدر إليها إلا المواد الخام الأولية التي تستخدمها الصين في صناعاتها التي غزت بها كل العالم المتقدم والمتأخر، لكن الخبر صحيح، فتركيا هي التي تصدر أيضا.
ليس هذا إلا حلقة في سلسلة انجازات هذا البلد الذي يصح أن نقارن به بلادنا، فنحن مثله من أقطار العالم الإسلامي الذين خضعنا للإستعمار الأوروبي منذ قرن خلا، ونصّب علينا حكومات علمانية بحجة التقدم، باعتبار أن الإسلام هو الذي ضرب علينا التخلف وأدخلنا في منظومة العالم الثالث.
ومنذئذ بقينا سويا نتقدم الى الخلف، ونوغل في التخلف بإصرار، لكن تركيا انفلتت عام 2003 ، مستفيدة من اللعبة الديمقراطية التي كانت مكرا لمنهج الله، واعتقدوا أنها ستمنع منتهجيه من الوصول الى الحكم، فجاءهم مكر الله ليغلب مكرهم، فتسلم الحكم حزب إسلامي نجح بالتخفي في غفلة من الحرس العلماني الشديد بحيلة أنه ليس إسلاميا بل علماني.
استفاد هذا الحزب من التجربتين اللتين أحبطتا (مندريس، وأربكان)، فتجنب الصدام مع القاعدة الشعبية الواسعة للعلمانيين التي أسسها أتاتورك وأيتامه، فلم يفرض قطع الأيدي ورجم الزناة، كما هو باعتقاد المتشددين أنه العنوان الرئيس للنظام الإسلامي، بل اتبع جوهر المنهج الإسلامي في الحكم (الراشدي)، وهو نزاهة الحاكم والعدالة وكفاية احتياجات الرعية، وأراد أن يستثمر في أهم ميزات المسلم وهي نظافة اليد، ليبين أن سبب الأزمات الاقتصادية هو فساد المسؤولين وسوء إدارتهم، والحل لا يحتاج الى معجزات بل فقط الى الإخلاص.
منذ ذلك اليوم خرجت تركيا من التخلف الذي فرض عليها جراء تسلم الفاسدين زمام أمورها ثمانين عاما، وخلال بضعة أعوام حققت استقلالها الإقتصادي ونجت من مصيدة البنك الدولي، وتمكنت من تحقيق نهضة شاملة وانجازات مشهودة، أحداها نفق “مرمراي” والخط الحديدي الذي يعبرها بكاملها والذي أنجز بفترة قياسية، ليساهم في رفع التبادلات التجارية ووضع تركيا على خارطة التجارة العالمية.
لا شك أن هذا الخبر أثار حفيظة الأنظمة العربية الفاسدة ومريديها العلمانيين، وأولئك الذين يعانون من رهاب الإسلام، ويخشون أن هذه النجاحات ستفسد دعاياتهم المغرضة بأن الإسلام لا يصلح للحكم ومنتهجيه غير أكفاء سياسيا، وسنجد هؤلاء قد أصابهم مغص عقلي وإسهال فكري، مما يدفعهم لكيل الشتائم وتلفيق التهم بأنه يتاجر بالإسلام ولا يسعى إلا لاستعادة أمجاد تركيا!.
وما يضيرنا إن رفع شأن بلاده واستعاد أمجادها!؟.
تاجروا أنتم بما تشاءون وارفعوا عنا هذه المهانة التي نحن فيها، وسنقدر لكم ذلك أكثر مما نقدر نجاحات “أردوغان”!.
لا نبتغي إلا استعادة شيء من كرامتنا المسلوبة، وسنسكت على كل ملياراتكم المنهوبة.
ألم نسكت على استبداد عبد الناصر وتنكيله بالوطنيين، بل وأعلناه زعيما لكل الأمة حيتما وعدنا بالوحدة وتحقيق العزة.
ألم نغفر له التسبب بهزيمة الأمة النكراء عام 67 ، وخرجنا الى الشوارع نطالبه بالرجوع عن الاستقالة؟.
ألم نتناسى ظلم صدام حسين وقمعه لرفاقه واستبداده وأخطاءه الجسيمة، حينما أطلق صواريخا على الكيان اللقيط، فرأينا في ذلك تجاوبا مع آمالنا المقموعة، فهتفنا له مع كل صاروخ، وناصرناه على مؤامرة الحصار والاحتلال، ورغم أن الأنظمة العربية كانت متآمرة ضده، إلا أن كل جماهير الأمة كانت معه!؟.
تتميز أمتنا بأنها حية وواعية، وذلك لأنها تنفرد عن باقي الأمم بأنها تمتلك منهجا ولها رسالة، لذلك لا تتأثر بأباطيل المرجفين، ولا يوهن عزيمتها تسلط الظالمين، فهي تضعف لكنها لا تموت، وقد تنهزم عسكريا لكنها لا تستسلم.
ذلك ربما كان سبب توالي الحملات العسكرية والحروب النفسية عليها، لكن أيا منها لم ينجح في تحويلها عن ما وجدت من أجله.
صحيح أن داءها الأساس في المنافقين من بينها، لكنهم مكشوفون مهما تستروا بالوطنية والحرص عليها، وما يكشفهم على حقيقتهم إلا عداؤهم لمنهجها القويم، والتأليب على من يدعون لاتباعه والتمسك به.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى