“بَح أموال”

“بَح أموال”
عبد المجيد عصر المجالي

ولدت في الزرقاء وأعيش فيها، حيث يمشي الفقر مع الناس كأنه ظلهم، وحيث يصفعك الحرمان مرارا بتهمة الحلم، وحيث تحفظ الشوارع خيباتك كما تحفظ حُفرها وتصدعاتها وتنظيمها الرديء!

ولك أن تتخيل كيف لشاب (زرقاوي) كانت أقصى أمانيه أن يقرأ عبارة «بلدية الزرقاء تستودعكم السلامة» تلك الفاصلة بيننا وبين العاصمة، أو بين النكوص والتنمية! ثم وجد نفسه مؤخرا في بيروت، فتنازل عن (نبع الفوار) واختار شاطئ البحر الأبيض المتوسط!
ربما تظن آثما أن نبع الفوار شبيه بشلالات أنجل، ولك عذرك، فالاسم خداع، لكنه لا يعدو عن كونه مجرى صرف صحي ينكأه الزمن باستمرار كما ينكأ جرحا قديما فيفيض!

في بيروت، غرني صديقي العَمّاني فقمت بأول وآخر عملية غسيل أموال، هل يجوز أن أسميها غسيل أموال؟! ليست كذلك، ربما هي (بَح أموال ع الإيد)، فقد أقنعني الصديق حين أردنا العودة الى الأردن بأن أحول مائتي دولار هن (حيلة الشب يا رب) إلى العملة اللبنانية، موهما إياي أن الليرة اللبنانية مفقودة في الأردن وحين أحولهن إلى الدينار الأردني سأربح خمسين دينارا في الحد الأقصى!

اقتنعت بما قاله صديقي واعتبرتها صفقة العمر، وتشجعت أكثر حين سبقني بتحويل الدولارات التي يملكها إلى العملة اللبنانية، ولم أضيع لحظة عند عودتي إلى الأردن، فمن المطار توجهت فورا إلى محل صرافة لإتمام العملية، وحين طلبت من الصراف تحويل الليرات اللبنانية التي بحوزتي إلى الدينار الأردني وشرحت له ما جرى عاينت الذهول في عينيه، بل انه ترك كرسيه ومشى نحوي، ثم أخذ بيدي وبدأ يمسح على رأسي حزنا وشفقة.. أي مجنون يفعل ذلك والليرة اللبنانية على شفا جُرف هار؟!

نصحني الرجل بالتروي عل وعسى أن تتحسن قيمة الليرة اللبنانية، لكنه وبعد إلحاح مني استجاب لرغبتي وأعطاني المبلغ بالأردني، وقد كانت الخمسون دينارا خسارة لا ربحا!

أما أنا فعدت إلى نبع الفوار، وأما صديقي فقد صارت رؤيته ضربا من الخيال، ولست ألومه أبدا، فلم يعد يملك وقته حين صار رأس الحربة في الفريق الذي يرسم السياسات الاقتصادية لبلادنا!

اظهر المزيد

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى