بين الجد و الهزل

بين الجد و الهزل

د. محمد شواقفة

عاتبني صديق أحبه و أحترمه لغيابي المقصود عن منصات التواصل الاجتماعي لدرجة أنه أعتقد أنني لا قدر الله “مكورن”. فهو يعتقد أن المواقف الغريبة هي اكثر ما يستفزني!!
بصراحة أنا شخصيا لا أعتبر نفسي كاتبا و لا علاقة بيني و بين الأدب الحقيقي سوى علاقة سطحية بعيدة، ومن يعرفني جيدا يعرف أن ثقافتي شوارعية و لا إطار أدبي لها، فأنا لا اعرف كثيرا من الكتاب و الادباء اكثر من غيري من عامة الناس، و لا اذكر متى اشتريت كتابا من على بسطة أو من مكتبة محترمة، أكتب ما يحلو لي و عندما أشعر بأن هناك ما يضيق به الصدر، فلا أجد سوى قلمي و بدون مناسبة أكتب ما أشعر به.
لربما أنني أجد في ذاكرتنا الشعبية من قصص الامثال إلهاما كبيرا لأنسج خطوط خواطري، و قد أنجح أحيانا و ربما أفشل مرات كثيرة في كتابة ما يمت للواقع بصلة. و في أحيان كثيرة تجذبني الحكايا الساخرة أكثر من الكتابة الجادة، لربما لأكثر من سبب، قد يكون أهمها أن الكتابة الرمزية و بدون صراحة مباشرة تناسب هامش حرية التعبير التي نعرف أنه ضيق جدا و لا فكرة لدي ما هو الخط الاحمر الذي قد يوقفنا عنده مقص الرقيب.
لنعترف جميعا بأن السخرية في ثقافتنا العامة أصبحت “ثقيلة دم” و خصوصا أنها باتت منبر من لا منبر له و الطريق الاقصر لايصال أي فكرة دون أن يكون لها أي بعد إصلاحي فلا تعدو كونها محاولات يائسة للتعبير عن عدم الرضا. فالمتابع ببساطة يدرك أن أغلب ما يحدث حولنا يثير السخرية و ربما التهكم و اعترف بأنه بدون أي تجميل أو إضافة لا يخلو من الطرافة و الفكاهة. و لكن هناك مشكلة بأننا بنفس الوضع يزعجنا اذا ما كان النقد يطال أحد يخصنا أو كما يقال:”” أجا الحبل عزورنا”.
معروف للغالبية أن السياسيون يكذبون و يتمتعون ببلادة و قلة إحساس و هذا جزء من الوصف الوظيفي هم يعرفونه و يدركونه و علينا نحن أن نتعايش مع هذا الأمر و نبدأ بمحاولة تحويل هذه المواقف لقصص على ألسنة الحيوانات أو بتشبيهات من تاريخ منسي نغير فيها قصدا المكان و الزمان و نرسم بسخريتنا نهايات تكاد تكون مطابقة للواقع و لكن بكوميديا سوداء يموت عندها البطل في آخر مشهد. لكن تبقى المعاناة الأكبر و هي صراع الشرح و الاقناع و ربما محاولة الصد و الدفاع للهجوم الذي نتعرض له نحن الذين نكتب ضد جحافل السحيجة و الذين معهم.
ليس جبنا و خوفا من هؤلاء الافاقين، و لكن حقيقة انهم يمتلكون القوة و الجبروت مضافا إليها مخزون من الشر و الحقد يجعلنا نحسب لهم حساب، لا نخشاهم و لكننا نعرف أنهم يمتلكون أساليب عديدة قد تجعل حياتك جحيما و لسانك سيفا مسلطا عليك، فبدلا من محاسبة الفاسد، يستطيع و بقانون وضعه هو و من معه أن يحاسبك و يصنع لك حدودا يسجنك بداخلها فيكتم صوتك و يخرس ضميرك.
لم يتركوا لنا أي مجال للسخرية، فاستنفذوا كل مخزوناتنا من القصص الطريفة و الايماءات الفكاهية ، و سحبوا البساط الذي كان يحملنا لعوالم بعيدة عن قباحتهم و بدأوا يمطروننا بالاكاذيب و التصرفات السخيفة فتقف أمامها مشدوها لا تمتلك أن تضيف عليها أي لمسة.
ببساطة إنهم يسخرون منا….

” دبوس على موت السخرية”

مقالات ذات صلة

اظهر المزيد

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى