بين الأمس واليوم

بين الأمس واليوم
م. عبد الكريم أبو زنيمة

يحكى أن والياً من الولاة قد سجن راعياً لإحدى القبائل، وما إن علمت قبيلته بسجنه حتى تجمع شيوخها ووجهاؤها وتوجهوا لمقر الوالي، وهناك طلبوا منه الإفراج عن أميرهم! لم يتردد الوالي عن تلبية مطلبهم وأمر حراسه بالإفراج فوراً عن أمير القبيلة، بعد أيام علم الوالي أن ذلك المعتقل لم يكن سوى راعياً لإبل القبيلة!
استشاط الأمير غضباً وطلب من حراسه استدعاء أولئك الشيوخ والوجهاء الذين طالبوه بالإفراج عن أميرهم “الراعي”، حضروا جميعهم عند الوالي وبادرهم بالسؤال: لماذا ادّعيتم أنَّ المسجون الذي كان لدينا هو أميركم؟ ولكنه ليس إلا راعيًا لإبلكم!
نهض كبيرهم وأجابه: أيها الوالي، هذا الراعي أو أي كان غيره هو من أفراد قبيلتنا أو يعمل لدينا هو راعي إبل عندنا، ولكنه أميرنا ولا أمير ولا شيخ فينا عندما يتعرض للضيم عند غيرنا وكرامتة من كرامة قبيلتنا!
كان هذا بالأمس!
أما اليوم فقد جرى وعبر عقود من الزمن تفكيك القيم الاجتماعية والأخلاقية والثقافية والفكرية والسلوكية داخل المجتمع الأردني لم يواكبها بناء دولة مدنية ركيزتها سيادة القانون والعدالة وقاعدتها الاقتصادية مبنية على قواعد الإنتاج، وكل الظواهر السلبية التي نفجع بها يومياً هي نتاج لكل التشوهات المبرمجة لتدمير قواعد بناء الدولة لجعلها دولة هلامية يسهل العبث بها والتحكم بمصيرها حاضراً ومستقبلاً، حيث بتنا نجد التناقض بكل المباديء والمفاهيم والأُسس، فعندما نتحدث عن العدالة نجد أن القضاء مُهيمن عليه من قبل السلطة التنفيذية! عندما نتحدث عن الشفافية نجد أن الحريات مسلوبة! عندما نتحدث عن الإنتاج نجد كل العراقيل والمعوقات توضع لتدميره! عندما نتحدث عن محاربة الفساد نجد أن الفاسدين هم الشرفاء! عندما نتحدث عن حزم بطون الجياع نجد ان ابناء الذوات ” اللصوص ” ينعمون بثروات الوطن وتبذيرها ، عندما نتغنى بنعمة الامن والأمان نجد أن المواطن ما عاد يأمن على نفسه داخل بيته ،وعندما … الخ.
اليوم لم يعد بيننا أمير ولا شيخ ولا وجيه ولا سياسي قابض على مبادئه! غالبية الشيوخ والوجهاء والمسؤولين وتجار الشعارات الذين يختالون بيننا ما هم إلا كالزهور الصناعية “بلا رائحة ولا طعم وثمنها رخيص” المواطن الذي باسمه ترفع الشعارات وأنه الأغلى أصبح هو الأرخص يتنقل من حاوية لحاوية بحثاً عن لقمة عيشه، السواعد التي تكابد حر الصيف وبرد الشتاء لتأمين الأمن الغذائي نجدها بالسجون أو فارة من التنفيذ القضائي، الصناعيون هاجروا لدول جاذبة لاستثماراتهم ، المرأة الأردنية التي تكابد لتأمين دواء لأبنائها نجدها فريسة لسماسرة المال المشبوه بحجة تمكينها! بعض من وميض مصير الوطن المجهول نتعرف عليه من بعض ما ترشح به وسائل الإعلام الأجنبية! اليوم بتنا نعيش في وطن أصبحنا فيه الغرباء!
لدينا كل مقومات ومقدرات بناء الوطن الجميل المزدهر، كل ما ينقصنا هو المكاشفة والمصارحة وإرادة التغيير، لدينا الموارد الطبيعية التي يزخر بها الوطن، لدينا الموارد البشرية الوطنية الكفؤة المخلصة المنتمية لتراب وثقافة وهوية الوطن وتاريخه الممتد عبر الاف السنين، لدينا الطاقات الشبابية القادرة والمؤهلة لنشل الوطن من القعر إلى السطح، لدينا المناخ الملائم في كل الفصول، لدينا الطاقة الشمسية على مدار 314 يوماً في السنة، لدينا الموقع الجيوسياسي الرابط بين القارت، لدينا البيئة السياحية الإسلامية والمسيحية والأثرية ودرتها البتراء ، لدينا البيئة الزراعية على مدار العام ،لدينا لدينا .. الخ ، كل هذا لدينا لكن حكوماتنا كل يوم تتغنى بإنجازات خرافية والشعب كل يوم يبكي ويترحم على الأمس!!!

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى