مرشح كرتوني / د . رياض ياسين

مرشح كرتوني
يملأون الوديان صراخا بوعود ويعتلون الجبال ليسمعوا صدى خطاباتهم ويعجون بضجيج التمنيات ويتحولون الى هواة لتحقيق الاماني والاحلام باللعب على سيرك الكلمات بصورة أحيانا فظة مباشرة، واحيانا اخرى غير مفهومة وملتوية،إنهم الراغبون في الترشح دون أن يكون لديهم أدنى مخزون معرفي واقعي وسياسي أو قدرات لخوض غمار العمل العام وخدمة الناس والدولة،ولا يعرفون في الانتخابات سوى الضجيج الوطني او العرس الانتخابي كما يحلو للكثيرين في الاردن تسميته.
المرشح الكرتوني سينسحب مجرد أن يتم فتح باب التسجيل للترشح رسميا، فالمسألة تتطلب ان يكون قد استقال من موقعه الحكومي إن كان موظفا ، أو أن يتفرغ للعملية إذا كان من جماعة القطاع الخاص أو من المتقاعدين وهم كثيرون ، كذلك عليه ان يدفع رسوم الترشح وقيمتها مع الغلاء صارت ألف دينار، فقد تضاعفت، مع تضاعف قيمة ان يكون المواطن نائبا يخدم البلد،فعندما تفكر في خدمة البلد يجب ان تدفع أولا.وكثير من المختالين بالترشح يعكف عن الترشح عندما يذهب لاستخراج شهادة عدم محكومية لإكمال أوراق ترشحه فيتفاجأ أن عليه قضايا،ويبدأ باختلاق كذبة جديدة أمام أهله وناسه ومن دفعه للترشح بانه “مش فاضي” للنيابة.
ليس ذلك مهما في المسألة برمتها وإنما كيف يقوم من يترشح بفرد عضلات خياله ليقنع نفسه ومحيطه الاجتماعي بأنه مؤهل دون غيره ان يكون شعبويا ،وكثيرون من الاردنيين يملكون هذا الهاجس في اللاوعي، حتى اولئك الذين لم يعلنوا ترشحهم ولا بأي وسيلة إعلامية تجدهم يرددون “والله انعرض علي بس انا مابدي”. ماشي ياعمي المرشح الذي تتكبر على من عرضوا عليك وترفض تمثيل الناس وخدمة البلد،لماذا لايكون جوابك على النحو التالي: “أي انتخابات ساخوضها وانا مش لاقي آكل خبز، وملعومك لازم تفت مصاري قبل واثناء وبعد، وبعدين لازم تكون قاعدتك الشعبية عشيرتك او محاسيبك او عمال شركاتك بالمئات او الآلاف حتى تفكر تنجح،…” فالكل يعلم انه لايوجد روافع اجتماعية وسياسية للمرشح تضمن منافسته او على الاقل حضوره في دائرة ما،وهناك مرشحون توهموا في الدورات الماضية فتفاجئوا انهم لم ينالوا حتى اصوات زوجاتهم، وكثير من الزوجات تكون معجبة بالمرشح ذي اللوك الجميل والفوتوشب المتقن ولا يهمها ما يرفع من شعار بل مايقدم من فن التسويق لمنظره بالبدلة أو فوتيك الجيش الذي بات ايضا يستخدمه البعض لاستمالة عواطف الناس والتمثيل أنهم أصحاب بطولات وصولات وجولات،هذا ناهيك عن الملابس ذات المرموزات الدينية ،وهنا أرى ان تقوم الهيئة المستقلة للانتخابات بمراقبة اليافطات والكتابات ،ومنع مايمكن ان يسئ شكلا ومضمونا للدولة والمجتمع في ثقافتها وثوابتها الوطنية والدينية، وقد كانت في الدورات السابقة استخدامات عشوائية لخطابات وجمل عاطفية وملابس تسيء للكيان الجمعي الشعبي لحساب فئة او شخص ما.
ايها المرشح المبجل لا تحرج حالك وتحرجنا معك وتملأ الدنيا ضجيجا بوعودك وقدراتك الخرافية العنقاوية الفينيقية، وتفضل ادرس الحال جيدا وطبيعة الخريطة الانتخابية تماما، ولا تركن الى من (يهوّون) يقنعوك بان لديك كاريزما وإمكانات والكل بيحبك وبدو اياك، وتتفاجأ يا عزيزي انك نفسك تريد ان تذهب لتختار غيرك من اسماء العتاعيت الذين نجحت الدولة على مدى عقدين تقريبا اي منذ الانتخابات البرلمانية 1989م في إعطائهم فرصا تجعلهم دائما في صدارة المشهد السياسي والاجتماعي والثقافي باعتبار انهم أصحاب حظوة من نوع خاص، والمشكلة التي باتت تطلّ برأسها ان ابناء المحظوظين بدأوا يفكرون في الحلول مكان ابائهم واجدادهم بالوراثة الانتخابية مستخدمين الشيفرة الوراثية لجينات أبائهم واجدادهم أو طنين النحل الخاص بعشائرهم او نفوذهم الاقتصادي.
rhyasen@hotmail.com

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى