بلا مجاملة

بلا مجاملة
د. هاشم غرايبه

يخطر ببالي أحيانا تساؤل غريب: لو لم توجد جماعة $الإخوان المسلمين، من الذي سيهاجمه أعداء #الإسلام؟.
من المعروف أن معادي منهج الله في أمتنا هم #المنافقون (بالمفهوم الشرعي)، ولأن هؤلاء أقلية لا تصل نسبتهم في مجتمعنا الى 10 %، لذلك لا يجرؤون على مهاجمة الإسلام مباشرة، فيلجأون الى التنفيس عن حقدهم بمهاجمة جماعة الإخوان المسلمين، بدليل اتهامهم كل من يرونه متحمسا للدفاع عن منهج الله بأنه (إخونجي)، وهم بذلك يدللون على غباء المتعصب، حينما يعتقدون أن المخلصين للدين هم الإخوان فقط.
رغم ضآلة نسبتهم، إلا أن اختيار السلطات الحاكمة منهم، جعلهم أصحاب القرار والتأثير، لذلك ألحقوا بالأمة كل هذا الويل والدمار في سبيل التخلص منهم.
لعل السبب في تركز الهجوم عليهم، ليس لأن منهجهم قد يفضي الى نشوء دولة إسلامية، بل لمجرد أنه أحد الحزبين اللذين انفردا بتجاوز المحظور، وهو دعوتهم الى تحكيم شرع الله، والآخر هو حزب التحرير، لكنه محاصر بشكل محكم، فلا يخشون انتشاره وتأثيره.
منذ ما قبل بداية القرن العشرين، والقضاء على آخر صورة للدولة الإسلامية ممثلة بالدولة العثمانية كان همُّ الإستعمار الأوروبي، ولما تم له ذلك، تحول الى منع توحد الأمة ونهضتها من جديد، ولأنه يعلم أن ذلك لن يتم إلا تحت عنوان إسلامي، فقد سعى الى تشجيع تكوين حركات بديلة، فَرَعى ثورة الشريف حسين، ومكّن لها عسكريا، كما قامت الجامعة الأمريكية والبعثات التبشيرية برعاية حركات القومية العربية، ومن ناحية أخرى ألزِمت كل الأنظمة العربية بإصدار تشريع موحد يحظر تشكيل أي حزب بعنوان إسلامي.
لما كانت مصر الأكثر وعيا سياسيا في دول المنطقة، لذا كانت الحركة الإسلامية فيها هي الأقوى، فتحايلت على هذا القانون الجائر بأن سمت نفسها جماعة وليس حزب، وأعلنت أنها منهجها دعوي وليس سياسيا.
عندما قامت حركة الضباط الأحرار عام 1952 ، قام عبد الناصر باستيعابهم في مجلس قيادة الثورة من خلال ترؤس “محمد نجيب” مؤقتاً الى حين التخلص منهم، لكنه فشل في لجم تطلعات “سيد قطب” الرامية لاستعادة نموذج الدولة الإسلامية فأعدمه، ثم حظر جماعة الإخوان، وبقي ذلك دأب كل من خلفوه.
في سوريا، ظل القاسم المشترك لأنظمة الحكم المتغيرة هو منع الإسلام السياسي بذريعة انتهاج العلمانية، مع تشجيع الهويات الفرعية الإنشقاقية عنه كالعلويين والدروز.
لم يختلف الوضع في العراق عن ذلك ولا في باقي الأقطار العربية، فرغم التباينات بين ملكية وجمهورية، تقدمية ورجعية، كان الثابت الوحيد الذي لا يتغير هو حظر الفكر الإسلامي.
بالطبع انطبق ذلك على كافة الأقطار الإسلامية غير العربية :تركيا وإيران والباكستان ..الخ، فكانت الأنظمة على تباينها أيضا، إلا أنها متطابقة في منع تشكل تيار إسلامي، مما يدل على أن موضوع الصراع السياسي في الأقطار العربية لم يكن بين العروبيين والإسلاميين، ولا بين يساريين ويمينيين، وإنما كان توظيفا لأي تناقض من أجل منع الإسلام من الوصول الى الحكم.
وحاولت الأنظمة إيجاد وعاء بديل لحركة الإخوان، بتشجيع تنظيمات صوفية بهدف تحويل التدين الى الطقوسية بدل السياسي، وتنظيمات سلفية تدعو الى التبتل والتنسك ونبذ السياسة، والانكباب على الصلاح الفردي بديلا عن إصلاح المجتمعات، فأنشأت المخابرات المصرية حزبا سلفيا ما زال الى اليوم مرتبطا بأحد مكاتب الداخلية، والبريطانية-السعودية أسست السلفية الوهابية، وفي بلاد الشام حركة الأحباش.
هكذا نتوصل الى فهم أساس أزمات المنطقة، وينجلي لنا تعليل لماذا هنالك صراع دائم، يسخن أو يبرد بحسب إقتراب الفكر الإسلامي من الوصول الى السلطة، فعندها تصبح كل الإجراءات مباحة، حتى لو استدعى الأمر من حماة الديمقراطية (الغرب) التدخل السافر عسكريا أو تدبير إنقلاب.
لكننا عند التقييم العام، نجد أن تجربة جماعة الإخوان المسلمين لم تكن ناجحة، إذ أنها لم تحقق ولو جزءا يسيرا من الهدف، لذلك ينبغي على مفكريهم المراجعة وإعادة تقييم المسار، فحسن البنا ليس نبيا ويجوز مراجعة رؤيته، فالتجمد عند ما قاله قبل قرن خسارة وإعاقة للمشروع الإسلامي برمته.
وأعتقد أن هذه المراجعة – رغم أنها كانت ملحة منذ خمسين عاما – ضرورية، وأهم العناصر المستهدفة، الخروج من ضيق الأنانيات التنظيمية الى رحابة الإتساع الجبهوي بالإنفتاح على كفاءات وأفكار كل العناصر المخلصة للهدف الجليل، وتأسيس تحالف عريض يجمع كل الساعين الى نهضة الأمة.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى