برسم البيع / د. هاشم غرايبه

برسم البيع

ذهبت بالأمس الى تسوق بعض الإحتياجات، وجدت نصف المحلات التي أقصدها عادة مغلقة، وبعضها كتب عليه “برسم البيع”، انتابني ذلك الشعور المقبض للنفس عندما ترى باباً لرزق عائلة قد أغلق.
يؤكد ما رأيته عيانا شريط مصور منشور على مواقع التواصل، يظهر كم من أبواب المحلات في وسط مدينة عمان مغلقة، كما يبين قلة المشاة في الشوارع، مقابل تلك الإزدحامات التي كنا نشهدها الى ما قبل سنوات قليلة حول البضائع المعروضة بكثافة في تلك المنطقة الأكثر حيوية في العاصمة.
حركة الأسواق هي المعيار الحقيقي للإقتصاد، وليست تقييمات بعثة صندوق النقد، ولا حركة البورصة، ولا معايير النمو الإقتصادي، من يتسرى بهذه المعايير هم الحكومة فقط، لكن المواطن العادي يعرف بدقة واقع الحال مهما قيل له من تطمينات خادعة وتبريرات غير مقنعة.
لم يعد أحد يشتري قصة (التحديات) التي أتخم بها خطاب الدولة، ولا الإستقرار المزعوم وسط محيط مضطرب، فحتى مواطنو تلك الأقطار (المضطربة) حالهم الإقتصادي أفضل نسبيا من حال المواطن الأردني، الذي لا يفتأون يمنون عليه بالأمن والأمان.
لا شك أن أصحاب القرار يدركون الأسباب الحقيقية للركود الإقتصادي، ويعرفون ما يتوجب عليهم عمله، لكن السؤال الخطير: لماذا يفعلون ذلك بنا؟.
قبل البحث عن الإجابة سنستعرض أسباب هذه الحالة غير المسبوقة التي أصابت الأردن خاصة، وباقي أقطار الأمة بشكل عام.
سأقتصر على التفصيل في الحالة الأردنية التي أُلمُّ بها جيدا، فربما يفسر ذلك ما أصاب باقي الأقطار الشقيقة، فهمُّها موحّد:
1 – ليس صحيحا أن شح الموارد هو ما أدى الى الإقتراض وتركيم المديونية، فالموارد غير شحيحة أبدا، وكان بالإمكان بناء اقتصاد حقيقي قائم على الأقل على تطوير الإقتصاد الزراعي لتأمين الإكتفاء الغذائي الذاتي، ومقايضة الفائض بالنفط الذي يقال أننا نفتقر له.
2 – تم قطع موارد الخزينة بعملية الخصخصة المشؤومة التي حدثت في كافة الأقطار العربية بتزامن يثير الشك، فأصبحت الضرائب والرسوم المورد الوحيد للدولة، أي جيب المواطن، وبذلك فهم الناس حقيقة مقصد شعار: الإنسان أغلى ما نملك!.
3 – كانت الأحداث الدامية التي نجمت عن الثورة المضادة التي قامت بها الأنظمة للقضاء على ثورات الشعوب المقموعة والمستلبة حقوقها، والتي عمت كل الأقطار المجاورة ونجى منها الأردن بسبب حساسية موقعه من الكيان اللقيط، كان من المفترض أن تشكل جذبا لاستثمارات عربية وأجنبية، وبالتالي تنعش الإقتصاد، لكن ذلك لم يحدث بسبب جشع المتنفذين من أصحاب العمولات مما أدى الى فعل طارد وليس جاذب.
لكن في حقيقة الأمر فقد تم استثمار حالة اضطراب الإقليم بما ينفع قلة قليلة من أصحاب النفوذ، فيراكم ثرواتهم الشخصية المودعة في الخارج لمنع انكشاف مصدرها، وبالتالي فلا تنفع الإقتصاد الوطني، وكان ذلك في ثلاثة وجوه:
أ‌- الإستثمار في تدريب وإيواء عملاء الأمريكان بهدف اختراق الثوار وتحويل منهجهم الى العلمانية.
ب‌- وفي احتكار عطاءات تزويد القوات الأجنبية بالطعام وماء الشرب.
ج – ومن الإتجار بإغاثة اللاجئين.
4 – لأسباب غير واضحة، ألغيت سلطة المصادر الطبيعية وهي الجهة المسؤولة عن التعدين، وقيل في وقتها أن ذلك لترشيق الجهاز الإداري، لكن مما يكذب ذلك إنشاء أكثر من ستين هيئة مستقلة كانت تابعة لوزرات، ليس لأي واحدة منها فعل انتاجي، بل تنفق الخزينة عليها.
لذلك توقف الحديث عن استخراج أي من الثروات الطبيعية التي كانت تشتهر بها الأردن منذ عرف الإنسان صناعة السيوف والأواني الزجاجية، مثل النحاس والحديد والقصدير والرمل الزجاجي والصخر الزيتي، والثروات الحديثة مثل الفوسفات والبوتاس والبروم واليورانيوم، وأما البترول المؤكد وجوده في منطقة الريشة فقد أوقف التنقيب عنه، من غير تفسير.
في المقابل تلتزم الدولة ببرنامج أمريكي يزيد الضغوط الإقتصادية على الطبقة المسحوقة ويفاقم الفقر والبطالة، لكنه لا يدعو الى تخفيض النفقات التي تستهلكها رواتب أعمدة النظام أو وقف فسادهم.. ألا يدعو ذلك الى الريبة!؟
نعود للسؤال الخطير: لماذا كل ذلك.. ولمصلحة من؟.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى