.طمعان ( بقربك )

[review]وضع ”جلن الماء ” جانباً، توجّه إلى القبلة ورفع كفّيه إلى أعلى، قرأ الفاتحة بتأنٍ، وبعد دقيقة مسح وجهه وجسده بالدعاء، ثم قام برشّ القبر العتيق ببعض الماء وغسل الشاهد جيداً حتى بانت الحروف والأرقام..أخرج ”موس كبّاس” من جيب دشداشته وبدأ باقتلاع الشوك والعشب اليابس والنبات غليظ الساق من حول القبر ورميه بعيداً..أحضر نصف”بلوكّه” وجلس قرب الشاهد الرأسي وبدأ يتكلم مع والده المتوفى:- أبو يحيى – سامحني يا حجّي على التقصير، لم أزرك منذ سنين، مشاغل العيش، وهموم الأولاد، ودولاب الحياة، فقر وكفاح، وغيرها وغيرها، أظنّك تعرف كل شيء عنا؟! يقولون أن الموتى يعرفون بحال الأحياء أليس كذلك؟..لكن مع ذلك كنت أدعو لك بعد كل صلاة ! الآن قبل دقيقة قرأت لك الفاتحة، الم تصلك؟ هي منّي (مش تخربط)؟! ..وقبل ثلاثة أشهر أعطيت ”شحّادة ”بريزة وقلت لها هذه عن روح الوالد…هل وصلتك أيضا؟..أوووف.. مهما حاولت أن أبرّر لك فأنا مقصّر يا يابا !! بصراحة في موسم الشتاء كنت قلقاً عليك، خفت أن يجرف قبرك السيل، ثم تذكّرت أنك ”زْقـُرت” وقدّ حالك!! أحد لم يجرؤ على سحبك وأنت حي هل يجرؤ على سحبك وأنت ميّت ؟..صمت أبو يحيى قليلاً،أشعل سيجارة وعاد يكرر القصّة:.- قلقت عليك إيه والله قلقت !! وبقيت أتقلّب في الفراش ساعة كاملة بينما صوت الرعد ظل يؤرقني كلما دوّى غرباً ..ثم تذكّرت أن قبرك يقع في مكان استراتيجي، فوق تلّه مرتفعة ويطل على شارع عريض، كما أنه مبني بأربع واجهات حجر،بنيتها (أيام الرخص) بيديّ هاتين،هل تعلم أن سعر طن الحديد وصل الآن (950)ديناراً، (صَفّر) كما شئت..واندهش كما شئت !! لقد ارتفع بشكل لا تتخيله أبدا..بالمناسبة الخدمات الرئيسية وصلت اليكم ..لقد شاهدت عمود تلفون يبعد امتاراً عنك، ومحوّل كهرباء، وماسورة ماء (2) إنش ..ابشر قبل رمضان سأركّب لك ستلايت.. يضحك بصوت مرتفع ثم يتذكّر هيبة المكان..وجدّية الموضوع..فيقول:الله يلعن الشيطان!! أعرف كم تحب المزاح، لذا مزحت معك!! يقولون إنكم تسمعوننا جيداً..لذا بادرت بهذه المزحة..الم تعجبك؟..يصمت قليلاً، وكأنه يريد أن يزحزح موضوعاً ثقيلاً عن صدره، يأخذ نفساً عميقاً ثم يعود للكلام:.- إيه يا يابا!! قبل أربعين عاماً عندما جئنا بك إلى هنا، كانت الأرض رخيصة وغير مخدومة،(هسّع وين)؟؟ ارتفع ثمنها وجنّ سعرها،وصارت مخدومة ومطموعا بها..- (يقرب ” نصف البلوكّة” أكثر من شاهد القبر ثم يستأنف حديثه):.- بالمناسبة أنا جئت اليوم لأقول لك أنني قررت أن أكفّر عن تقصيري تجاهك طيلة السنين الماضية، أريد أن أنقل رفاتك قرب بيتي هناك،أريدك ”قربي”يا رجل!!.. أنا حرّ، هكذا ! كي أتذكّرك (على الطالعة والنازلة)..هل عندك مانع؟ لا تفهمني خطأ..فقط أنا طالب القرب منك لا أكثر..- (يصمت قليلاً وكأنه يرد على أبيه المتوفى): صحيح، صحيح، كلامك ”مضبوط ” أن الدعاء يصل للميت من أي مكان، لكن هناك يصل أسرع لأنك قربي،سأبني لك قبراً جديداً (4) واجهات حجر، ها شو قلت؟!! – يعود للصمت من جديد، يضع عينيه في الأرض و”يطرقع” أصابع يديه ثم يقول جملة سريعة وقاسية:.- على بلاطة حجّي!! ”في ثري طمعان بقبرك”.. عشان هيك أنا طمعان ”بقربك” شو قلت؟.ahmedalzoubi@hotmail.com

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى