وطن في مضافة..

مقال الاحد 10-1-2016
وطن في مضافة..
لا أرى أكثر سطحية وجهلاً من الذين يحاولون أن ينكشوا “بابور” الفتنة “بمنكاش” الطائفية أو الإقليمية بين الحين والآخر ، إلا أولئك الذين يحاولون ان “يبرروا” التعايش او الوحدة الوطنية بكل ما أوتوا من قوة ..فانا أرى أجمل ردِّ على مثل هؤلاء عدم الردّ عليهم أصلاً..والمضي قدما بالفعل لا بالقول…وبغسيل القلوب من سناج الحقد والغل بفعل المحبة الموجود فينا أصلاً…
لسنا بحاجة أن نبرهن في كل مرة أننا أكبر من كل شيء ،فأصلنا وتربيتنا منذ ان رفع الله السماء وكوّر الأرض لا تتبدّل ولا تتغيّر…
من يحاول أن يرمي “فتّاشة الطائفية” جهلاً لا قصداً، أو قصداً لا جهلاً ..لا نردّ عليه… البيوت الوادعة النائمة على أسوار بعضها بسلام تردّ عليه، “دواوين العشائر” العامرة بالمناسبات كل مساء ، المسيحي يعزّي المسلم ويهنئه ..والمسلم يعزّي المسيحي ويهنئه، الأردني كتفاً إلى كتف مع الفلسطيني ، السوري في ضيافة الأردني ،العراقي في شراكة مع الأردني ، الشركسي يتكئ على وسادة البدوي…البدوي يهدي فنجانه للفلاح ، الشيوعي مع الأخ المسلم..التحريري مع البعثي، المعارض يمازح رجل المخابرات ، ورجل الأمن يجالس معتقل سابق ..هذه هي مضايفنا المفتوحة على الحب والألفة والجيرة العزيزة والأخوة العتيقة هي التي تردّ على كل “تخبيص” أو “هفوة” صدرت هنا أو صدرت هناك…لا تردّوا ولا تكتبوا ولا تنشروا بيانات استنكار…
فقط زوروا “مضايف” الأردنيين..تعرفوا أن جذور المحبّة في قلوبنا أرسخ من جذور زيتونة رومانية…
أقسم بالله العظيم ، كلما دخلت ديواناً عشائريا أو جمعية تابعة لأهالي منطقة ورأيت هذه التشكيلة من كل الأطياف والطوائف والأفكار والمشارب السياسية..قلت في نفسي…بخافون على الوطن؟ والوطن كله هنا…والله لم أرَ بحياتي أجمل من هذا البلد ولا أطيب من أهل هذا البلد…أقسم بالله العظيم لو نتخلص من أدران الفساد ، وبعض اللصوص المزمنين..لأصبح وطني مرآة الفردوس على الأرض..يكفي أننا نمارس عباداتنا بحريّة ، وطقوس عاداتنا بحرية، يكفي اننا أبناء عائلة واحدة ، وعشيرة واحدة ، يكفي أننا لم نسمع يوماً عن شخص قتل لسبب طائفي ، او معتقل سياسي ذوّب بالأسيد على معتقد سياسي…نمارس معتقدنا و نقدنا ومعارضتنا ونحن مطمئنون أن هذا الوطن لا يظلم أبناءه أبداً…
**
من جانب آخر ، تؤرقني تنامي الطائفية الثنائية “السنة الشيعة” على صفحات مواقع التواصل العربية…وكأن الله حكراً على لون العمامة…وكأن عرش الرحمن معلّق بين إيران والخليج…نحن أبناء الوجع الواحد ، والقدر الواحد، والحرف الواحد ..نذبح كل نهار على سكّين التقسيم والفقر والتجهيل والتهميش …دون ان نُسأل عن موقفنا من عليّ ومعاوية…ان لم ننصر أنفسنا ، وننزع “جلاتين التاريخ الأسود” عن أدمغتنا ..فلا سيف عليّ ينصرنا ولن تنقذنا شعرة معاوية…
أيها السنة ، الشيعة، المسيحيون، الدروز، البهائيون، البوذيون ..حبكم لله وعبادته لا تأتي الا من خلال ” أوتوستراد محبتنا لبعضنا”…أيها السنة ،الشيعة ،المسيحيون، الدروز ،البهائيون، ،البوذيون… أحبّوا الله كما شئتم وانّى شئتم ومهما شئتم واعبدوه كل على طريقته، لكن لا تكرهوا عياله …فمحبة الله لا تأتي من كراهية خلقه…

احمد حسن الزعبي
ahmedalzoubi@hotmail.com

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

‫12 تعليقات

  1. قبل حوالي عشر سنين كنت اطبع رسالتي بالماجستير في مركز طباعه في اربد ..وقد اذن العصر وطلبت من الشباب القائمين عالمركز سجاده لاصلي فاحضروها لي وصليت العصر وقلت لهم ممازحا ليش يا شباب ما صليتوا العصر..وبعد ابتسامه يملؤها الصمت لبرهه قالوا لي اننا مسيحيون ..لن تجد مسيحي يحضر لك سجاده لتصلي الا في الاردن..لن تجد خال وعمر واحمد وعواد وخلف اسماء لمسيحيين الا في الاردن..اذا المسيحي لم يخبرك انه مسيحي لن تميزه عن المسلمين..نعم نحن في الاردن منصهرين الى هذا الحد واكثر واللي مش مصدق يروح على عجلون والكرك ومادبا وماحص وغيرها من مدننا التي يختلط فيها اللهجه واللباس والاكل وكل شيء..الاردن امنا الحنون بشماغاتنا الحمراء والزرقاء والسوداء وطرابيش الشام والشيشان..نحب امنا الاردن ونحب اخواننا الاردنيين كلهم ونحب الملك والهاشميين ..ولكننا نكره الحراميه والفاسدين

    1. ليش ما جبت سيرة………. يا اخي المحترم؟ و ……..كمان. و على فكرة معك حق في ان هنالك توجه نحو الطائفيةبين الشيعة و السنة في الاردن و هذا ما يؤلمني جدا ايضا. نحن كشعب اردني تعلمنا دائما ان نحتوي كل الطوائف و كل العروق و كل الالوان و كل الاراء.لماذا نسمح لانفسنا بأن ننجرف وراء التيارات الطائفية؟ مع احترامي

  2. مقال رائع كعادتك يا أستاذ ما أجمل من يجمع ولا يفرق، ما أحكم من يصغر الهموم ولا يكبرها، ما قلته حقا صحيح فهذا الشعب العظيم تستطيع أن تميزه ببساطة عن باقي الشعوب بانسانيته وعفويته وكرمه. حفظ الله الشعب الأردني وحفظ أمنه ورفاهيته وحفظ الله الوطن الأردن الغالي.

  3. الأستاذ أحمد ..ماتتكلم عنه يعرفه رجل الشارع والفلاح والمسخم في هذا الوطن ولا أعتقد أن سردك الجميل لتفاصيل نعيشها سيضيف شيئا أو سيغير شيئا في الواقع المزري الذي نعيشه..انت تعرف أن من بحاجة أن يستمع لكلامك المثخن بالحزن والأسى هو بعض الأشخاص الذين يمتلكون منابر ووسائل يصلون بها سريعا لأذان وعيون المواطنين بما يكتبون من كلام يبذرون به بذور الطائفية والشقاق..هم من هم بحاجة أن يوقفوا عند حدهم وان يتم سؤالهم ..لوين ماخذين البلد؟

  4. كنت لسان كل أردني غيور مخلص لوطنه وأمته فعبّرت أحسن تعبير عما في قلوبنا وما يتمناه لهذا البلد كل فرد في العالم فيه مسحة من إنسانية مجردة من أي لون من التعصبات المقيتة التي فتكت وأخذت تنهش في جسم البشرية بلا هوادة في كل أطرافه. لقد آن الأوان لأن نخلع عنا رداء المفاهيم الخاطئة التي أغرقتنا في بحور الأوهام والتقاليد والخرافات البعيدة كل البعد عن جوهر الدين

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى