هل الشدائد تظهر معادن الأشخاص؟

سواليف – بعد أن كانت الاربعينية نهاد عبد الرحمن محاطة بكم هائل ممن كانت تعتبرهم أصدقاء أوفياء لها، يساندونها على الحلوة والمرة. جاء اليوم الذي جعلها تبدد كل هذه الاعتقادات وتدرك أن وقوعها في محنة صحية ومكوثها على سرير الشفاء مدة طويلة كان سببا لان تعرف تماماً من هم أصدقاؤها الحقيقيون.
تقول “ كنت أظن لا شيء يمكن ان يمنع صديق ان يزور صديقه مهما كانت مشاغله غير انه وللاسف اكتشفت ان هنالك أشخاصا مزيفين لا يظهرون بالمواقف الصعبة أو في المحن، وقد تجدهم في اوقات الفرح، وأن المصالح هي فقط من تحرك بعض العلاقات”.
وتشعر نهاد أن تلك المحنة كان لها وجه ايجابي، جعلها تعرف تماماً من هم الأشخاص الذين يستحقون البقاء في محيط حياتها، وتكتفي بوجودهم، ومن الذين عليها الابتعاد عنهم نهائيا، ووضعهم في خانة المعارف ليس أكثر.
نهاد ليست وحدها التي كشفت كثيرا من الأشخاص وقت مرضها. ابراهيم هو شخص آخر وقع في محنة مالية كبيرة بعد ترك وظيفته، الا أن تلك الفترة كانت كفيلة لأن تجعله يعيد ترتيب حياته وأولوياته ومعارفه وأصدقائه من البداية .
وبعد أن كان يعتبر أن هناك أشخاصا مقربين اليه، اصبحوا الآن لا شيء بالنسبة له، لانهم تخلوا عنه ولم يقفوا بجانبه على الاطلاق، ولا حتى بالسؤال عن احواله، على عكس أشخاص لم يكن يتوقع منهم أي مساعدة أو مساندة بسبب عدم معرفته الوثيقة بهم، تبين له أنهم كانوا أصدق وأوفى من أشخاص كثيرين غيرهم.
يقول “رغم صعوبة الموقف وشعوري بالخذلان من بعض الأشخاص، الا أن هذه المحنة أعادت ترتيب حياته بالكامل ليبدأ من نقطة جديدة بعيدة عن كل شخص منافق برأيه.
ولعل تلك المواقف يستطيع الشخص من خلالها أن يعرف مدى متانة علاقته بكثير من الأصدقاء ويستطيع أن يكتشف معادن الأشخاص ويعيد ترتيبهم في حياته.
وفي ذلك يقول الاختصاصي الاجتماعي د. حسين الخزاعي أن السبب وراء هذا التغير القيمي هو اختلاف منظومة القيم الاجتماعية وتغيرها، وبروز قيم أخرى، حيث تأثرت قيم الصداقة وأصبح اساسها المصلحة عند البعض، ولها مدة تاريخ وصلاحية بحسب المنفعة.
الى ذلك، برزت قيم الأنانية وحب النفس والانطواء، كلها عوامل سادت في المجتمع، لافتا الى ان الصديق الحقيقي يظهر وقت الضيق وعند الحاجة الحقيقية له وليس فقط وقت الفرح، وعكس ذلك تكون هذه صداقة زائفة وليس لها أي معنى.
ويذهب الاختصاصي النفسي والتربوي د. موسى مطارنة الى أن معادن الناس وحقيقتها تظهر بالمواقف الصعبة لذلك اذا أراد الشخص أن يعرف صديقه عليه ان يمتحنه في المواقف صعب، مبيناً أن الانسان دائما محاط بأشخاص كثيرين الأمر الذي يجعله يعتقد أن لديه صداقات متينة وعلاقات كثيرة.
غير أنه المواقف والمحن قد تبدد وجود هؤلاء الاشخاص، وكانهم اختفوا جميعا، وربما الأشخاص الذين لم يتوقع منهم الشخص اي مساندة، كانوا قريبين منه أكثر، مبيناً أن ذلك نتاج الشخصية الانسانية التي نشأت ضمن تجارب محدودة، لا تمتلك الأدوات التي تستطيع من خلالها معرفة الناس من حولها.
ويضيف مطارنة إلى أن الانسان يجب أن يكون له أفكاره وقيمه ومبادئه ويختار أصدقاءه بناء على ذلك، وان لا يجعل العاطفة تسيره، كون العاطفة لا تجيد احيانا الاختيار، لافتا الى ان على الانسان ان تكون لديه قاعدة أساسية ينطلق من خلالها في علاقاته.
ويبين أن العلاقات لا بد من أن تقوم على أسس صحيحة وبناء صحيح، خصوصاً وأنه في الوقت الحالي باتت العلاقات الحقيقية صعبة، وأصبح وجود صديق وفي وحقيقي أمرا صعبا وكأنه عملة نادرة في هذا الزمن.

الغد

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى