“مائةُ عامٍ في عالمٍ تتكسّـرُ فيهِ السَّـواري وتغـرقُ السُّفُـن”

“مائةُ عامٍ في عالمٍ تتكسّـرُ فيهِ السَّـواري وتغـرقُ السُّفُـن”
الأستـاذ عبد الكريـم فضلـو عقـاب العـزام

منذُ أن خلق الله الأرض ومن عليها لم يشهد الكون حقبةً مثل هذه الحقبة، فلا الأيام هي الأيام ولا السُّنون هي السُّنون.
لقد كان العالم حتى الحرب العالمية الأولى، عالماً مُتعدّد الأقطاب، وكانت الثورة الصناعية لم تشهد ما تشهده اليوم من طفرات وتسارع تَعجز العقول عن استيعابه، وكانت الأُمم تعيش ولو هامشاً من الحرّية تستطيع معها أن تبني مجتمعاتها وتصوغ فِكـرَ أبنائِها وفـق تطلعاتها وفلسفاتها الخاصة بها.
لكن العالم بعد الحرب العالميّة الأولى، وبعد الحرب العالمية الثانية بخاصة، أصبحت التوجهات فيه واضحة جداً، لقد أصبحت الكرة الأرضية كلهّا تتجة لأن تكون في ظاهرها دولاً متعدده وفي الحقيقة هي دولة واحدة يديرها في الأرض على الجانب البشري رأسٌ واحد، له أذرعٌ متعدّدة، يصنع ويعمّر هنا، ويهدمُ و يبطشُ هناك، يُجوّعُ ويُعرّي وينشر المرض هنا، ويُنعمُ ويُداوي هناك. يمتلك البَـرَّ والبحر والجو، فيمشي برغبته من يشاء، ويَحرم من يشاء.
هذا الرأس المتجبّر هو الذي يحاول أن يصوغ العالم؛ كل العالم وفق فكره ورؤيته، ويضع كل المجتمعات تحت عدسة مجهره، يُتابع حياتها وفكرها وتسلُّحها ويسير في طريقه إلى أن يصل مرحلة العدّ على أنفاسها.
هذا هو العالم اليوم.
على ضوءِ هذا الواقع، ما عادت السياسة هي السياسة التي كنّا نقرأ عنها ولا الدول هي الدول.
إنَّ أي ذو بصيرة يقرأ هذا الواقع يجد أنَّ كل الدول العظمى الظاهرة في هذا العالم، تجتمع على استراتيجيات رئيسة لهذا الكون – وكأنَّ رئيسها واحد – حتى لو كانت هذه الاستراتيجيّات ضِد مصالح الكثير من الدول وشعوبها.
يرى المتبصِّر أنَّ هذه الدول العظمى لها توجهات تُغطيها بغربال، هذه التوجهات في جوهرها ولبّها هي لخدمة مجتمع واحد ( أمة واحدة ) في هذا العالم.
كل ذي بصيرة بات يُدرك أنَّ العالم اليوم صار يُغرق كل سفينة (دولة) لا تتماشى مع توجُّهاته الواحده، فصرنا نرى الأشرعة تتكسّر، والسفن تغرق، والبحَّارةُ يستسـلمُـون على قوارب النجاة.

في هذا الزمن العصيب، قامت الدولة الأردنية.

واليوم وبعد مائة عام من عمر الدولة الأردنية، نرى:
هذه الدولة التي بدأت بثورة (الثورة العربية الكبرى) كان هدفها جمع شمل العرب، وبناء كيان لهم، ليكونوا أمةً تُعيد مجدها، وتبني مستقبلاً مزدهراً لشعوبها.
هذه الدولة الأردنية التي قامت بعد أن حاصر الغرب المنتصر في الحرب العالمية الأولى، قادتها ( قادة الثورة العربية الكبرى ) حتى لا تقوم للعرب دولة عظمى، وحتى يُقيم المستعمر دولة لليهود، مدلّلة يرعونها تكون مركزاً للمال والتجارة.
الدولة الأردنية التي قامت محاصرة من البعيد والقريب على بقعة من الأرض أغلبها صحراء، تعاني من القحط والفقر، والحاجة حتى لحبّات المطر.
قامت الدولة الأردنية وانطلقت بقيادتها الهاشميّة من اللاشيء:
عمّرت البنيان…..بَنَـت المدارس والمستشفيات…..شقَّـت الطُّـرق…..بَنَـت المصانع……..وبَنَـت مُجتمعاً مُتعلماً مثقفاً قلّ نظيره في الدول المجاورة.
وبَنَت جيشاً عربّياً خالصاً يحمي الوطن ومنجزاته، ويُساعد أشِقَّاءه العرب في كُلِّ حين. شارك ويُشارك دائماً في معارك الأمة وصِناعة تاريخها المجيد، وهو المتحفّزُ دائِماً لِخدمة قضايا الأمة دون تردُّد.
نرى في الأردن اليوم نظاماً سياسياً هاشميّاً راسِخ الجذور، رسوخ جبال عجلون، والبلقاء، والطفيلة، والكرك.
نظاماً يحافظ على مجده وتاريخه ويتطلّع دائماً لإعادة مجد الأمة ووحدتها.
نرى نظاماً أمّن الاستقرار للوطن والشعب في الوقت الذي نرى الدول في المنطقة تُعاني الثورات والانقلابات المتكرّرة، والحروب الدَّامية التي لا تُثمر كلها إلاّ الموت والخوف وأنْهَاراً من الدَّم.
نرى نظاماً يقوده ساسة مُتمرِّسون مُتجذِّرون في السياسة والفكر السياسي والديني، لهم تاريخ يمتد إلى أكثر من ألف وخمسمائة عام، يقوم على الرحمة والتسامح والحكمة.
في هذا العالم اليوم الذي تتكسّر فيه السواري وتغرق السفن.
شيءٌ عظيمٌ أن تعيش في دولة، لها رُؤى واضحة وإدراك للواقع وظروفه، وكيفية التخطيط لصناعة المستقبل وفق مرجعيّة وثوابت. وأن يقودها ساسةٌ لهم تاريخٌ وتضحيات وتجارب يُوظِّفونها لحفظ شعبهم (أمنِه واستقرارِه في زمنِ الفِتَـن). ولمرضاة ربهم الذي كرَّمهم بأعظم رسالات السماء.

مقالات ذات صلة

اظهر المزيد

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى