في وطني .. / زكريا البطوش

في وطني ..
لم يَعُد شرّ البليّة يُضحك أحدًا

صرنا جميعًا في الأردن كأننا متجاورين في سُرادق طويل .. بطول خيباتنا التي لا تَغُلب في الإتيان بخيبة تبدو دائمًا أعظم وأسوأ من سابقتها بل تفوقها حجمًا وكمّاً، ورد فعلنا دائما كرد فعل المسطول أو المضروب على رأسه، فنتسابق إلى السخرية والضحك، ونتبارى في تأليف النكتة الملائمة للحدث .

ديدننا على الدوام السخرية من كل شيء وأي شيء وبسرعة البرق، نتناقل الخبر أو الإشاعات ونبهّرها ونضع لها الإكسسوارات اللازمة

وعلى الطرف الآخر من المشهد هناك من أرهقتهم الأحداث والنوائب وأنا أحدهم، ولم يجدوا في السخرية عزاء لهم، على العكس تمامًا تثير بداخلهم قلقًا أكبر، لكن هذا القلق للأسف لا يجدي نفعًا مع من أدمنوا السخرية .

في السياق وبدلا من مقاومة هذا الذي يجري، استسلم له الجميع، وبدلا من إيجاد حلول، بات لسان الحال يقول : تعالوا نضحك ونرقص جميعًا، وحتى التقييم المنطقي للحدث فقدناه .

لنرقص إذن فوق أشلاء الخراب، فعلى ما يبدو لم يعد هناك ما نخسره أكثر مما خسرنا، وكما يقال : ” الأعور عندما ضربوه على عينه .. لم يكترث ” فهل هو اليأس أم أنها طبيعتنا ؟

ربما لأننا نعلم يقينًا حجم الفساد والإفساد الذي يضرب جميع مؤسساتنا، فقد فقدنا الدهشة والاستنكار لأي مصيبة تحدث، وصار رد الفعل الأولي هو اعتبار ما حدث أمر متوقع وتحصيل حاصل، بل وبسيط مقارنة بما يمكن أن يحدث لنا في المستقبل .

من وجهة نظري قد تكون السخرية هي أحد وسائل التعبير المنتهجة في تاريخ الإنسانية للاعتراض على ما لا يجب أن يحدث، وعلى أوضاع يتحتم تغييرها، كما أن هذه الكوميديا السوداء هي بحد ذاتها إبداع ظهر ليخلط الدراما بالهزل، ويفضح كل ما نعجز عن تغييره، لكننا في هذا الوطن تخطينا مراحل السخرية كافة، ووصلنا لمرحلة العبث السريالي الغريب والمستهجن، حيث صارت تلك السخرية نفسها هي الوسيلة والهدف، ولا هدفًا آخر سواها .

سؤال بديهي لعلماء الاجتماع : هل االسخرية والضحك أثناء المصيبة سلوك طبيعي أم هو سلوك شاذ أم له تفسيرات أخرى ؟!

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى