نحن والأصنام / كامل نصيرات

نحن والأصنام
مشكلة الصحابة الأوائل ؛ كانت مع كمشة أصنام في مكّة ..بالجهد و المثابرة و بالصبر و الايمان استطاعوا تحطيم تلك الأصنام على قحف أصحابها و كان فتح مكّة ايذاناً حقيقياً بانتهاء عهد الأصنام ..وأن الانسان من لحظتها استعاد حرّيته بالكامل ..!
اليوم ..وبعد كل هذه القرون ؛ نكتشف أن الأصنام لم تكن ( نائلة وهبل و زملائهما ) ..بل الأصنام هي كل ما يفرض عليك أن تقدسه وكل ما تراه ولا ترى غيره ولا تريد أن ترى غيره ..و من بين ثنايا ذلك تكتشف أن تاريخك الذي تزهو به و كنت تتمختر وأنت تسير على حافة الشوك ؛ مليءٌ بمئات الأصنام الذين من شحم ولحم و دم ..أصنام ؛ كل جماعةٍ تتمرس حولها و تطوف و تجعلها مرجعاً لها في كلّ شيء ..مرجعاً لله ..وللوطن ..وللاقتصاد ..وللهزيمة ..وللضياع ..!
لهذا اليوم ؛ ينقسم الناس مثلاً على جمال عبد الناصر ..المحبّ له ؛ يحوّله إلى صنم لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا خلفه ..و الكاره له ؛ لا يراه شيئاً مذكوراً ..وليس هناك من (حيدة) في قراءة رجل كان سبباً في انزياح تاريخي للعرب في عصرهم الحديث ..! ولعلني ضربتُ جمال عبد الناصر مثالاً ؛ لأن ثورة يوليو نحن في لهيب ذكراها ..وهو من أصنامنا التي لا يمكن تجاوزها ..وأريد أن اوضح قبل أن يشتمني الناصريون ..بإنني عندما أقول عنه صنم فأنا لا أقلل من قيمته أو أسيء له ..بل إلى من حوّله إلى صنم ، أتباعه ومريدوه ؛ و الطالبون منك أن تحبه مثلهم وأن تقرّ بكل أفعاله المعصومة عن الخطأ ..!
قبل أيّام ..حدثني مثقف عراقيّ كبير عن حكاية أيام حكم صدام حسين ؛ استوقفتني ..قال لي : كنتُ أريد قطع شارع في بغداد ..فأشّرت لسيارة فارهة لكي تسمح لي بالمرور من أمامها ..فخففت السيارة سرعتها ..وبعد أن قطعتُ الشارع نظرت إلى السيارة فرأيت (صدام حسين) ..وبلا شعور منّي قفزتُ في الهواء أمتاراً لفوق وأخذت أردد بصوت عالٍ : بالروح بالدم أفديك يا صدام..! وأكمل والحسرة تملأ كل تفاصيله : فعلتُ ذلك دون شعورٍ مني ؛ رغم أن صدام حسين في نظري ديكتاتور ولا أحبه مطلقاً ..!
إذن ؛ لا حضارة ولا سعادة ولا بناء أوطان ؛ وعقليّة الصنم هي من تتحكم في كلّ تفاصيلنا..ونحن نركض خلفها كمن يركض خلف السراب كي يموت من العطش ..!

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى