هل يلعب ترامب بالنار مع الصين ؟ / بقلم داود عمر داود

هل يلعب ترامب بالنار مع الصين ؟

من أبرز الأمور المثيرة التي قام بها الرئيس الأمريكي الجديد دونالد ترامب، على الصعيد الدولي، بعيد انتخابه بأسابيع، تلك المكالمة الهاتفية التي تلقاها من رئيسة تايوان، تساي إنغ وين، بحجة تقديم التهنئة بفوزه. هذه المكالمة، التي ربما استغرقت دقائق معدودة، لم تكن بريئة على الاطلاق، ولا جاءت مصادفة. فقد عمل فريق ترامب طوال أشهر لترتيبها، حتى تسنى لهم استفزاز الصين والضغط عليها. وهذا يدل على أن كل الغرائب والعجائب التي جرت خلال حملة ترامب الانتخابية لم تكن وليدة الصدفة، بل خُطط لها بإحكام، خاصة فيما يتعلق بما قيل عن تأثير روسيا على الانتخابات الرئاسية الأمريكية.
“الصين” أم “الصين الشعبية”
كانت جزيرة تايوان، جزءا من الصين قبل نشوب الحرب الأهلية، عام 1949، التي أدت إلى سيطرة قوات الحزب الشيوعي، بقيادة ماو تسي تونغ، على كامل البر الصيني، حيث أقام الشيوعيون “جمهورية الصين الشعبية” عاصمتها بكين، فيما تراجعت قوات حكومة الحزب الوطني الصيني، أمام المد الشيوعي، الى جزيرة تايوان، واحتفظت باسم “جمهورية الصين”، وبنت “تايبيه” عاصمة لها.
تعتبر تايوان عضوا مؤسسا في هيئة الأمم المتحدة، وكانت أحد الأعضاء الخمسة الدائمين في مجلس الأمن الدولي، طوال فترة الحرب الباردة، ولغاية عام 1971، حين صوتت الجمعية العامة لمنح “جمهورية الصين الشعبية” حق تمثيل الصين مكانها، فحلت “بكين” محل “تايبيه”.
ما زالت حكومة تايوان تدعي أنها صاحبة “الحق الشرعي” في حكم عموم الصين، على اعتبار أنها وريثة “جمهورية الصين” السابقة. وتُعتبر الجزيرة، التي يبلغ عدد سكانها 23 مليون نسمة، متقدمة في مجالات الصحافة والصحة والتعليم، ويحتل اقتصادها المركز رقم 26 عالميا، حيث تلعب صناعاتها التكنولوجية دورا هاما. لكن حكومة بكين تعتبر تايوان جزءا من أراضيها، واقليما منفصلا متمردا، وتعارض أي تواصل دولي معها.
تفاهم نيكسون وماو
تزامن انتقال تمثيل الصين من تايبيه الى بكين مع التفاهمات التي توصل اليها الرئيس الامريكي الاسبق ريتشارد نيكسون مع الزعيم الصيني ماو تسي تونغ، خلال زيارته الشهيرة عام 1972. وبموجب تلك التفاهمات تخلى ماو عن مبدأ رفض “التعايش السلمي” مع الرأسمالية، كما وافق على اقامة علاقات دبلوماسية مع الولايات المتحدة.
بعد مرور سنوات على الاعتراف الأمريكي بالصين الشيوعية، بفعل جهود نيكسون، وتحسن العلاقات بين البلدين خلال السبعينات، خاصة في تلك المرحلة التي تلت وفاة ماو تسي تونغ، تبنت الولايات المتحدة في سياستها مبدأ “الصين الواحدة”، في شهر يناير كانون ثاني عام 1979، في عهد الرئيس جيمي كارتر، وذلك مراعاة لبكين، ومن أجل طمأنتها، ولمواصلة توطيد العلاقات معها. وقد أُعتبر هذا المبدأ كـ “حل وسط” يسمح لامريكا بالتعامل التجاري مع الطرفين، تايوان والصين، في نفس الوقت، بينما العلاقات الدبلوماسية تكون مع الصين فقط.
مبدأ “الصين الواحدة”
يستند مبدأ “الصين الواحدة” إلى اعتبار تايوان جزءا من الصين. لذلك ترتب على الجانب الامريكي قطع العلاقات الرسمية مع تايوان، فتم سحب الاعتراف بها كدولة مستقلة. وفيما توطدت العلاقات الامريكية الصينية ظلت واشنطن تحتفظ بعلاقات غير رسمية مع تايوان، في المجالات السياسية والاقتصادية والامنية والعسكرية، واحتفظت تايبيه بمكاتب تمثيل في امريكا.
تنظر بكين إلى مبدأ “الصين الواحدة” على أنه أساس لعلاقتها مع واشنطن، بل و”حجر الزاوية” في هذه العلاقة. لذلك ثارت ثائرة الصينين عندما جرى الاتصال الهاتفي بين ترامب ورئيسة تايوان، واعتبروا ذلك “تهديدا لوحدتها”، فساد التوتر بين البلدين، وردوا بوصف المكالمة بانها عمل “تافه”، وهددوا بتسخين الاجواء في مضيق تايوان، الذي يفصل البر الصيني عن الجزيرة. أما ترامب فدافع عن نفسه بالقول بأن رئيسة تايوان اتصلت به لتهنئته على الفوز بالرئاسة. وكأن الأمر تم بكل هذه البراءة.
6 شهور لترتيب المكالمة
الحقيقة هي أن فريق ترامب أمضى ستة شهور يرتب هذه المكالمة، حيث قام سياسي مخضرم اسمه “بوب دول” بهذه المهمة مقابل أجور تقاضاها من ترامب. يبلغ “دول” من العمر الان 92 عاما، أمضى 65 عاما منها في عالم السياسة. ولما ترشح للانتخابات الرئاسية وخسر امام بيل كلينتون، عام 1996، ترك الكونغرس وتفرغ للعمل في مجال “اللوبيات” في واشنطن، وهو يتكسب من القيام بتمثيل دول اجنبية ترغب في التأثير على الادارة والكونغرس، في قضايا تهمها. وقد وظفته حكومة جزيرة تايوان براتب شهري يبلغ 25 ألف دولار. وخلال الانتخابات الرئاسية، طلبت منه حملة ترامب ان يفتح لها قنوات اتصال مع حكومة تايوان، فجاءت المكالمة الهاتفية، بين ترامب ورئيسة تايوان، ثمرة هذه الجهود، بعد ترتيب لقاءات بين الجانبين. وحصل “بوب دول” على 140 ألف دولار من ترامب كأجور مقابل جهوده.
لعبة ترامب مع الصين وروسيا
خلاصة القول إذن، أن قيام ترامب باستفزاز الصين بهذا الشكل لم يكن محض صدفة، بل كان أمرا مرتبا متعمدا، من قبل حملته، استغرق الاعداد له أشهر طويلة. ويمكن بناء على هذه الواقعة الاستنتاج أن كل تصرفات ترامب الغريبة خلال حملته الانتخابية، وحتى بعد دخوله البيت الأبيض، لم تكن عشوائية ولم تأتي من فراغ، بل كانت مقصودة وهي نتاج عمل فريقه وراء الكواليس. هذا يقود الى المسألة الأهم في الحملة وهي علاقة ترامب مع روسيا، التي خدمته تدخلاتها وأدت إلى فوزه على منافسته هيلاري كلينتون، وهذا ما خلصت اليه الأجهزة الأمنية الأمريكية. ربما لم يكن ترامب قد خالف القانون في لعبته المكشوفة مع الصين، لكن لعبته مع روسيا ربما تكون فيها مخالفات قانونية قد تعود عليه بالضرر البالغ في قادم الأيام، خاصة أن تفاصيلها ما زالت طي الكتمان.
داود عمر داود – محلل سياسي
daoud@shorouq.com

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى