رصيف سياسي / د . رياض ياسين

رصيف سياسي
ضيقة ام واسعة هي هوامش حضور السياسة على المستوى الشعبي في الاردن،وإذا كان المقصود بالسياسة والاهتمام بها وحكاياتها ومتابعة اخبار الدول وماشاكل ذلك،فأكاد أجزم أن الغالبية تتابع شاءت ام أبت. لكن المسالة الأهم هي مدى حضور السياسة كحالة يعتني بها الناس بصورة تدل على فهم حقيقي لطبيعة الادوار الاجتماعية وفاعلياتها في المشاركة في صنع القرار الجمعي، الإشكالية من جديد هل المطلوب في مجتمعنا خلق حالة لمجتمع مُسيس قادر على تقديم رؤى وقراءات مناسبة للمرحلة والتعبير عنها بوضوح وشفافية دون قيود أو مخاوف؟ ثم الانتقال الى الحضوروالمشاركة السياسية دون الاكتفاء بفرز نخب لديها صفة السلمية وغير صدامية؟

الرصيف الأردني المخصص للمواطن موجود رغم محدوديته، والشارع مازال حكرا على قوى تقليدية تحالفت مع قوى صاعدة بفعل العولمة ورأس المال لتعزز تحالفاتها من جديد على قاعدة المال والنفوذ يخلقان قاعدة للبقاء على رأس الشارع.وهذه القوى تيقى حاضر متمترسة في الشارع حتى في ظل غياب البرلمان بحيث أنها تكون وصيفا لمؤسسة البرلمان الذي هو بالمحصلة بات يرمز لحضور شخصيات تقليدية شعبوية اكثر من رمزيته لمكونات سياسية مدنية فاعلة ومؤثرة ذات توجهات تعبر عن المجتمع وطموحاته.

ومن المعلوم وللإنصاف، فإن مؤسسات المجتمع المدني في الأردن وبصورة خاصة الأحزاب السياسية والنقابات والهيئات والروابط والجمعيات وخلافها تكون حاضرة وفقا لادبياتها وحساباتها الداخلية في أغلب الاحيان، ومن يتعقب ردود أفعال هذه المؤسسات على أحداث جسيمة تحدث هنا وهناك يكاد يدرك ان ثقلها وفاعليتها وصداها محدود تماما ، في حين يعلو صوت شخصية تقليدية بتصريحاتها وردود افعالها اكثر من مؤسسة حزبية ، لماذا يحدث ذلك المشهد المختل سياسيا واجتماعيا؟ الاردن الدولة لم تحفل بالاحزاب كجزء من الحياة السياسية الا في عهد الإمارة وبدايات عهد المملكة حتى نهاية الخمسينات في تجربة يتيمة واحدة لتولي حزب سياسي مقاليد الحكم في تجربة لم تكتمل رغم قيمتها وثرائها، واليوم المراهنة على الأحزاب في الوصول الى سدة الحكم يشبه كمن يريد الوصول الى سطح القمر من خلال طائرة هليوكبتر .

المسالة ليست ضربا من التكهنات فالمعطيات باتت واضحة ومحددة تماما ،ففي الوقت الذي نريد فيه حكومة برلمانية يتم تشكيلها وفقا لمجموع غالبية الحزبيين المنتخبين فإن ذلك يعني مرة اخرى التفكير وفقا لعقليات “الاماني” و”ممكن” و”قد يكون” و”ربما”،وهذا الأمر ليس مستحبا في قوننة المؤسسات السياسية والدستورية عموما. فالناظر والمراقب لفكرة الانتخابات على اسس نسبية يكاد يتاكد ان القوائم لن تكون قوية الا بوجود مرشحين تقليديين، وهؤلاء المرشحون التقليديون يمارسون سلطاتهم الشعبية والرسمية على من يريدون ان يكون جزءا من قوائمهم باعتبار انهم (مسوجرين) من الدولة والمجتمع، وفي الوقت الذي سيجد فيه المرشح التقليدي المحظوظ لدى الدولة والمجتمع أنه مركز السلطة سيتابع ذات التعاطي السياسي مع المنتخبين في حال فازوا برفقته، وربما سيستأسد عليهم ويتمنن عليهم باعتبار انهم فازوا كونهم كانوا جزءا من قائمته. وبالمقابل قد تكون القوائم النسبية متنوعة بحيث تضم مختلف الشخصيات والاهتمامات الامر الذي يُحسب فعلا للقوائم النسبية،لكن يبقى السؤال قائما هل سيكون مجنمع الناحبين قادرا على ان يختار قائمة متنوعة في الاهتمامات والتوجهات السياسية والفكرية أم انه سيبحث في هذه القوائم عن ابن العائلة والعشيرة حتى في إطار القائمة النسبية المفترضة.كذلك سيبدو واضحا ان مئات القوائم التي قد تضم عشرات الشخصيات ستحضر للبرلمان وتعيد تشكيل نفسها في كتل برلمانية لتنسى قوائمها النسبية،باعتبار ان الأحزاب لن تتمكن من تشكيل قوائم حزبية على مستوى اكثر من دائرة انتخابية حسب المعطيات في الشارع.

مقالات ذات صلة

المواطن بقي ملازما الرصيف السياسي خائفا ان ينزل الى الشارع العريض، فالدولة ذاتها تكتفي في حال وجود برلمان بان يكون هو بوصفه النخبة السياسية حتى بدون ان تكون مسيسة على قاعدة نواب الخدمات والبلديات ،فالمشوار البرلماني باستثناء ماجرى في انتخابات برلمان عامي 1989 و 1993م عندما كانت القوى الحزبية ذات التيارات الواضحة سياسيا وفكريا ممثلة في البرلمان، أم أن ماجرى في انتخابات المجالس الستة الماضية سيكون ميراثه حاضرا أكثر بمعنى ان البرلمان القادم سيبقى متماهيا مع فكرة المجلس الذي يمثل الأبعاد العائلية والعشائرية وشؤون الحياة المعيشية اليومية دون أن يخوض في رسم استراتيجيات تنهض بالدولة والمجتمع وتعيد إنتاج المؤسسات المدنية بصورة تؤهلها لأن تكون مستقبلا صمام الأمان في العمل الجمعي السياسي.وكيف سيكون نواب انتخبوا على اسس عشائرية وعائلية وجهوية هم من يقوم بعملية صياغة الحياة السياسية على قواعد الدولة المدنية بعيدا عن فكرة الدولة التقليدية ومكوناتها التي استحلا السياسيون والنافذون شكلها باعتبارها تلائم التكوينات الاجتماعية لدولة مثل الاردن.
rhyasen@hotmail.com

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى