اللي واسطته اقوى / د.رياض ياسين

اللي واسطته اقوى
التنافس على الواسطة والمحسوبية تشهدها المؤسسات الأردنية بامتياز،وهناك سباق محموم يغذيه بعض القائمين على هذه المؤسسات او الموظفين الذين لا يعرفون أنهم موجودون لخدمة الناس وتسيير مصالحهم بصورة مرضية تحقق المساواة والعدالة وتكافؤ الفرص.
وتقف الأسباب الاجتماعية المتمثلة في تغلغل الروابط الاجتماعية التي تسود مجتمعنا وراء ذلك بالدرجة الأساسية حيث تشكل العائلة والقبيلة المرجع الأهم، بحيث يقدم الفرد انتماءه إليها على انتمائه للمجتمع ككل أو الدولة، يساعد في ذلك البيئة المحيطة وعدم تخصيص مساحات كافية لغرس قيم النزاهة وتعزيزها في نفوس الناس بصورة ممنهجة وحقيقية وسيادة الموروث المقدس الأبوي،كما يقف غياب دور الدولة الفاعل والمؤثر والحقيقي لتحقيق مبدأ سيادة القانون ، كذلك يقف دور المتنفذين أصحاب الظل السلطوي الموازي لمسؤولي الدولة وراء كل هذه التدخلات.

وهناك أسباب لها علاقة بنمط الإدارة السائد نفسه،بحيث يسود عدم الالتزام بالسياسات المرسومة للتعيين؛ مما يؤدي إلى وضع الرجل غير المناسب في المكان غير المناسب، كما يساهم ضعف الرقابة في انتشار الواسطة والمحسوبية،والاخطر من ذلك احتكار السلطة وتركيزها لدى عوائل او مراكز اجتماعية او اقتصادية نافذة.
المشهد حزين جدا للناس الذين باتوا لا يمشون خطوة باتجاه مؤسسة دون ان يجدوا معرفة او واسطة او رافعة ليحملوا عليها شؤونهم،حتى إذا فكر أحدهم بشراء سندويشة فلافل سياخذ رأي احد معارفه أو اصدقائه أو ربما سيذهب لصاحب المطعم ليقول له :”عرفتني انا صاحب فلان صديق ابن خالة امك من جهة العمومة الله يخليك زبطني” ،وللأسف فإن هذه الانماط تتعزز بصورة كريهة في مجتمع ينشد الوصول الى دولة سيادة القانون.
الجامعات والهيئات التعليمية هي الأخرى ترسخ مفاهيم التمايز على اسس غير موضوعية في بعض الاحيان،فهي المؤسسات التي من المفروض ان تعلم الناس النزاهة والشفافية وتكافؤ الفرص، وليس ثقافة الاستقواء ومراكز النفوذ والقوى،وللأسف كل ذلك يكون مساقا خطيرا يكتسبه الطلبة الذين يتفتحون على هذه الانماط الاجتماعية في حياتهم المستقبلية منذ لحظة تخرجهم من الجامعات والمعاهد.
من يدرسون فنون وخطابات والاعيب وإشارات دغدغة العواطف واللعب على تضخيم الذوات لأصحاب المراكز والمتحكمين برقاب العباد،يكتشفون طغيان ثقافة العائلة والعشيرة على ثقافة القانون والمؤسسة،فتجدهم يتفننون في صياغتها وعرضها، وتشيع ديباجات مثل:”ماعليك”،”انت بس روح عليه واحكيله بعتني عليك فلان”،”ابشر”، “ماتاكل همّ”،”احنا بخدمة الشيوخ”،”انت من عظام الرقبة”، “حك لي تحك لك”، “ولا يهمك”،”تكرم”،”انت بس مشيها”،”شو بقربلك فلان”،”فلان بصير خالي اللزم”،والديباجات تطول بحيث تسود في المؤسسات الاردنية المهارات والفنون التي يمكن تأليف حكايات وقصص فيها لا تروى الا على انغام بطولات وصولات وجولات المتربعين على عرش فن الواسطة الأردني الأصيل.
السعي وراء البحث عن الواسطة والتدخل لا يليق بدولة تتغنى بانها دولة مؤسسات وقانون، حيث أن الدستور يشرع لشكل دولة المؤسسات والقانون بصورة واضحة وعميقة وفيها من الشمول ،بحيث يجد من يقرا ديباجة دستورنا اننا امام حالة ل دولة مدنية عنوانها الكبير مبدا سيادة القانون. في الوقت الذي يجافي فيه هذا الطرح مايجري داخل مؤسساتنا ودوائرنا وضمائرنا.
التدخلات سيئة بكل المعايير حتى لو كان شعارها مساعدة اصحاب الحق في الحصول على حقوقهم،لماذا؟ لأن دولة المؤسسات والقانون حكما تقوم على فكرة العدالة والمساواة وتكافؤ الفرص بين الناس أصحاب الحقوق في الإفادة من مكتسبات الدولة وخدماتها بصورة تحقق الشفافية والنزاهة وتمنع المزاجية في التعامل بين من لديه واسطة ورافعة وبين من لايملك سوى أجرة الباص ذهابا وايابا احيانا لقضاء حاجته وتسيير شؤون معاملاته التي يتعب ويضنى في تنفيذها.
لا يخفى على أحد حجم التعب والقلق عند مراجعة الدوائر الحكومية وشبه الحكومية، واحيانا يضيع منك نهار كامل لإنجاز معاملة واحدة،مع ان الدولة تسعى حسب متابعتي منذ فترة الى ماسمي بالحكومة الالكترونية، فلماذا اقضي ساعتين أو ثلاثة لإنجاز معاملة يمكن ان تنجز خلال عشر دقائق،اما الترهل الوظيفي ف حدث ولا حرج، فالموظف لايكلف خاطره ان يرشد المواطن الى اين سيذهب بعد ان حصل على ختمه او توقيعه،بالاضافة الى عدم وجود لوائح للتعليمات وتسلسل الاجراءات في كثير من الاحيان، وهكذا تدور عجلة المعاملات لمواطنين باتوا فرائس للترهل والثقافة المجتمعية التي ساندتها الدولة على الرغم من وجود تشريع لتجريم الواسطة والمحسوبية في الدستور الاردني،حيث نص قانون هيئة مكافحة الفساد الأردني رقم (62) لسنة 2006وهو ماعرف ب ( قانون هيئة مكافحة الفساد لسنة 2006) في أكثر من مادة وفقرة تحذيرات من خطورة هذه الآفات التي اعتبرها المشرع بمثابة الجرائم،حيث ان هذه الافعال اي الواسطة والمحسوبية تعد فسادا يعاقب عليه القانون.والسؤال هل يطبق القانون حتى على اولئك الذين توسطوا قبل العام 2006م أم أنه لايُطبق بأثر رجعي ولا مرجعي.؟!!
rhyasen@hotmail.com

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى